الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تريدني أعمل وأنفق على أخي!

السؤال

أمي تطلب مني العمل، وأنا أنزعج من ذلك كثيراً؛ ونتشاجر لهذا السبب أحياناً، ولقد تركت العمل بطلبها وارتحت لذلك جداً؛ لأنه عمل مختلط، والآن تريد مني العمل لأنفق على أخي وأسدد رسوم الجامعة، ولكني أعمل الآن معلمة قرآن، ولكن بدون أجر، وأدرس التجويد، لو أردت البحث عن عمل جديد -ولو كان في مدرسة مثلاً ويجنبني أبواب الفتنة- سيبعدني ذلك عن كوني معلمة قرآن أو سأقصر فيه، ولن أستمر في دروس التجويد!

هذا الأمر يزعجني، ولكن أخاف أن أدخل في دائرة العقوق، فماذا أفعل؟!

أمي كلما رأتني أحضر دروس القرآن لطالباتي تتضايق مني، وتقول: الأولى عملك في ما يعين أسرتك، وهذا يضايقني جداً.

جُزيتم خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك - ابنتنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يعوضك خيرًا عن هذا العمل الذي تركته من أجل الاختلاط، و "مَنْ تَرَك ‌شيئًا ‌لله ‌عَوَّضه الله خيرًا منه"، "وإِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلَّا أَعْطَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ". فهذه سُنّته -سبحانه وتعالى- في خلقه.

وقد أصبت - أيتها البنت الكريمة - حين قرّرت ملء وقتك بما ينفعك من الأعمال الصالحة، ومن ذلك تعلُّم القرآن وتعليمه، فهو من أفضل الأعمال كما قال النبي (ﷺ): «‌خَيْرُكُمْ ‌مَنْ ‌تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».

وإذا استطعت أن تنفعي أُمّك بعملٍٍ لا تتعرّضين فيه للوقوع في شيءٍ من المحرّمات؛ فهذا خيرٌ كثيرٌ، والنفع المتعدّي أجره عظيم، وتكسبين بذلك خيرات كثيرة، منها بِرّ أُمّك، وامتثال أمرها، ومنها إعانة مَن يستحق الإعانة من أهلك، وأيضًا إعانة نفسك أنت باكتساب مهارات وأعمال تنفعك، مع المحافظة على قسطٍ من هذا الخير الذي أنت فيه من تعلُّم القرآن وتعليمه.

إن استطعت الجمع بين هذه الأمور فهذا خيرٌ وأكمل، وتكونين بذلك قد جمعت أبواب الخير؛ فإن الإنسان يكمل ويعظم مقامه عند الله تعالى كلّما كملت فيه جوانب الخير وضرَب بسهمٍ في كل بابٍ من أبوابه.

أمَّا إذا لم يتسّر لك ذلك، فليس في امتناعك عن العمل عقوق لأُمّك، ما دامت تطلب منك أن تُنفقي على أخيك، فهذا شيءٌ لا يلزمك أنت، ومن ثمّ الامتناع عنه مع وجود ضرر عليك ليس عقوقًا، وإذا وصلت إلى اتخاذ مثل هذا القرار فينبغي أن تكوني حكيمة حريصة على بِرّ أُمِّك وعدم إغضابها، وعدم طاعتك لها لا يعني التقصير في حقِّها وبِرِّها، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} ثم قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

فاستعيني بالله، وأكثري من دعائه أن ييسّر لك الخير، وأن يُعينك على بِرِّ أُمّك والإحسان إليها، وأن يوفقك، وستجدين منه سبحانه وتعالى الإعانة والإمداد.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً