الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتورط في نوبات غضب متكررة..فهل من حل لتهدئة نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتقدم إليكم بخالص الاحترام والتقدير، وأود أن أطلعكم على حالتي النفسية والسلوكية التي أعاني منها منذ سنوات، أعاني من اضطرابات كبيرة في السلوك، حيث يتضمن ذلك تصرفات الشتم والغضب المفرط، بالإضافة إلى وجود اضطراب نفسي منذ فترة طويلة.

أجد صعوبة في تحديد مصدر هذه التصرفات، سواء كانت ناتجة عن اضطراب نفسي أو تعود إلى شخصيتي نفسها، وهذا يشكل لي تحديًا كبيرًا، ما يقلقني حاليًا هو التداعيات النفسية لهذه التصرفات، حيث أجد نفسي متورطًا في نوبات غضب متكررة، وأغضب بسبب أمور بسيطة، وأقوم بشتم الأشخاص المقربين لي وحتى تكسير الأشياء، ووصلت الأمور إلى حد تشاجري مع الآخرين في الأماكن العامة.

أبحث عن طرق لتصحيح نفسي وتهدئة عقلي، حيث أشعر بقلق شديد بشأن حالتي النفسية الحالية، حاولت الاتصال بعدة فقهاء لطلب المشورة والتوجيهات بناءً على المصارحة بحالتي النفسية والمشاكل التي أعاني منها، ولكن للأسف واجهت الرفض عدة مرات.

لذا، أتقدم إليكم لطلب توجيهاتكم وخطوات عملية يمكنني اتباعها، وكذلك لطلب الفتوى الشرعية بخصوص هذه الحالة، كما أطلب من سماحتكم الدعاء بظهر الغيب لي ولوالدي، عسى أن يكون ذلك من الحلول الفعّالة لتحسين حالتي النفسية.

وأسأل الله تعالى أن يمنحكم العلم والحكمة في تقديم الإرشاد والمساعدة للمحتاجين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونشكرك على كلماتك الطيبات، وتقبّل الله طاعاتكم.

من الناحية الطبية النفسية يُوجد - أيها الفاضل الكريم - تشخيص معروف لدينا، وهذا التشخيص يتمثل في الحالة التي وصفتها - أي حالتك - هنالك أشخاص تأتيهم نوبات وفورات من الغضب الشديد، غير المبرّر، ويكون في أثناء هذا الغضب تصرُّفات سلوكية مضطربة، وقد تتسم بظهور عنف جسدي ضد الآخرين، أو عنف لفظي شديد، وهذه الحالات لها عدة تفسيرات.

أحد التفسيرات هي أن البناء النفسي لشخصية الإنسان منذ الطفولة قد يكون سببًا في مثل هذه الحالات، أو على الأقل ساهم في ظهور الحالة، مع وجود أسبابٍ أخرى، وتضافر هذه الأسباب مع بعضها البعض يؤدي إلى هذا السلوك.

وهناك تفسير آخر - من وجهة نظري قد يكون الأرجح - هو: أن بعض الأشخاص لديهم بعض الاضطراب فيما يُعرف بالفص الصدغي من الدماغ، أو في الفص الجبهي - وهو المعروف بالناصية - هذه التغيرات التي تحدث في هذه الأجزاء من الدماغ قد تكون ناتجة من إصابات بسيطة في مرحلة الطفولة، مثلًا إصابات الرأس المتكررة، أو الحمى الشديدة التي تُصيب الأطفال في المراحل الأولى، في عمر السنة إلى السنتين، هذه قد تؤدي إلى تغيرات عضوية داخل هذه الأجزاء الدماغية. وفي بعض الحالات حالة الغضب والهيجان والعنف هذه قد تكون مصحوبة أيضًا بنوع من النوبات الصرعية.

الذي أنصحك به هو أن تذهب إلى طبيب نفسي مختص وذي خبرة، وتسرد له كل الذي تعاني منه، وأنا متأكد أنه سوف يصل لنفس التشخيص الذي وصلنا إليه، وسوف يطلب منك إجراء فحوصات، أهمها عمل صورة مقطعية، أو الرنين المغناطيسي للدماغ، وكذلك إجراء تخطيط كهربائي للدماغ.

هذان الفحصان قد تكون هنالك بوادر تُشير من خلالهما إلى وجود خلل في الفص الصدغي أو الفص الجبهي أو كليهما.

وحتى إن كانت الفحوصات سليمة، فسوف يضعك الطبيب تحت أدوية معينة معروفة بفعاليتها الشديدة في امتصاص نوبات الغضب والتوترات والانفعالات الشديدة التي يصعب على صاحبها أن يواجهها، ومن هذه الأدوية دواء يُسمَّى (تيجريتول Tegretol)، واسمه العلمي (كاربامازيبين Carbamazepine)، ودواء آخر يُسمَّى (ريسبيريدون Risperidone) بجرعة صغيرة، أو عقار (كويتيابين Quetiapine) كلاهما مفيد.

فإذًا إن شاء الله تعالى يُوجد أمل كبير جدًّا لعلاج حالتك هذه، فأرجو أن تذهب وتقابل الطبيب المختص، وفي ذات الوقت يجب أن تبذل جُهدًا في أن تتجنب الانفعال، وذلك من خلال تطبيق تمارين استرخائية، تمارين التنفس المتدرِّجة، ممتازة جدًّا ومفيدة، وتُوجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، كما أن الاستغفار والإكثار منه، وقطعًا تطبيق ما ورد في السُّنّة النبوية المطهرة عن كيفية علاج ومواجهة الغضب، هذا أيضًا له فائدة عظيمة جدًّا ويجب الأخذ به.

هذا هو الذي أنصحك به، وإن شاء الله تعالى سوف يفيدك الشيخ الدكتور أحمد سعيد الفودعي حول الجوانب الشرعية المتعلقة بهذا الأمر.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
____________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د. أحمد الفودعي -المستشار التربوي والشرعي-.
___________________
مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى أن يصرف عنَّا وعنك كل مكروه، وأن يرزقنا محاسن الأخلاق ويصرف عنَّا سيئها.

وقد ورد في الحديث - أيها الحبيب - أن النبي (ﷺ) أتاه رجلٌ يطلب منه الوصية - والحديث في صحيح البخاري - قال: (أوصني يا رسول الله) قال: (لا تغضب) فكرّر الرجل السؤال ثلاث مرات، والنبي (ﷺ) يقول في المرات الثلاث: (لا تغضب). ومعنى قوله ﷺ (لا تغضب) أي لا تأخذ بالأسباب التي تؤدي بك إلى الغضب، فحاول أن تتجنَّب الأسباب التي تعلم أنت من حالك أنها ستؤدي بك إلى الغضب.

والمعنى الثاني في الحديث (لا تغضب) أي: لا تترك الغضب يتصرف فيك ويقودك إلى حيث يريد إذا حدث هذا الغضب، وإنما جاهد نفسك على السيطرة على تصرفاتك بقدر الإمكان، وقد جاء في حديث آخر أن النبي (ﷺ) قال: (ليس الشديد بالصرعة)، أي الذي يصرع الناس ويغلبهم في المبارزة، (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فهذه هي القوة الحقيقية، أن يستطيع الإنسان السيطرة على نفسه وقت حدوث الغضب.

فإذا أخذت بهذه التوجيهات النبوية وحاولت تجنُّب كل الأسباب التي تؤدي بك إلى الغضب؛ فإن هذا جزء من علاج مشكلتك، كما أنك إذا جاهدت نفسك أيضًا بعد حدوث الغضب على السيطرة على نفسك؛ فإنك بإذن الله بالتدريب ستصل إلى نتائج مرضية وجيدة ومحبوبة، فحاول أن تُجاهد في هذا المسار.

ومن الوصايا النبوية للإنسان بعد حدوث الغضب: أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم؛ فإن ذلك يُذهب عنه الغضب، كما ورد به الحديث، ومن التوجيهات أيضًا: أن يُغيّر الإنسان حالته إذا حدث الغضب، بأن يُفارق ذلك المكان الذي حدث فيه الغضب، أو يُغيّر هيأته، فإذا كان واقفًا جلس، وإذا كان جالسًا اضطجع، وإذا توضأ الإنسان وذكر الله تعالى حين يحدث الغضب؛ فإن ذلك يُذهب عنه هذا الغضب، ويصرف عنه شرَّه.

فهذه الخطوات العملية - أيها الحبيب - مؤثّرة بلا شك في مدافعة الغضب، أمَّا إذا كان الأمر يتعلَّق بمرضٍ جسميٍّ أو مرضٍ نفسيٍّ؛ فإن الأسباب التي شرعها الله سبحانه وتعالى لا بد من الأخذ بها، والله قدَّر المقادير وقدّر لها أسبابًا، ويجب على الإنسان يأخذ بالأسباب، وألّا يُهمل الأسباب وينتظر النتائج، وقد قال الرسول (ﷺ): (ما أنزل الله داءً إلَّا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، فتداووا عباد الله).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يصرف عنك كل سوءٍ ومكروه، وأن يغفر لك ولوالديك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً