الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس الرياء والرهاب الاجتماعي ترهقني، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أبلغ من العمر 18 سنة، -الحمد لله- أحاول الالتزام قدر المستطاع، ومشكلتي: أني لا أستطيع ذكر الله أمام الناس، ولا تحريك فمي أمامهم، وأسكن في الإقامة الجامعية للبنات، وأرتبك لو ذكرت الله أمامهن؛ لأني أحس بشيء ما يزعجني في ذاتي، ثم تطور الأمر وفقدت الثقة في نفسي، وعندما أذكر الله عز وجل أضع يدي على فمي حتى لا يروني، وأظل أراقبهم هل شاهدوني أم لا؟ وأشعر بالارتباك والانزعاج ولا أستطيع التخلص من ذلك.

عندما أتواجد في ساحة الإقامة الجامعية، وأرتكب أي ذنب أذهب للجلوس في مكان ما وأستغفر الله، وعندما أسمع تحركات أقدام الفتيات تقترب نحوي أرتبك ويرتجف قلبي، لا أخاف منهن فقط أرتبك وأتوتر وأشعر بالانزعاج، وكذلك في الصلاة لا أستطيع الصلاة أمام الناس؛ لأن النبضات تتسارع، مع العلم بأني كلما قررت إنهاء بعض أموري الدنيوية أفقد الثقة في نفسي، وأخاف من الناس، وتنهال علي الوساوس.

في إحدى المرات كنت أصلي بالفتيات في المصلى، فراودتني وساوس الرياء وأني وقعت فيه، بالإضافة إلى الشعور بالقلق والتوتر، والخوف من إطالة الصلاة عليهن، وهذا الخوف يذهب خشوعي في الصلاة، فقررت ترك الرياء والوساوس الكثيرة التي تأتيني.

كلما التزمت دينيًا أحس أنني أشرك بالله عز وجل، خاصة وأني أترك النوافل، حاولت وفشلت في التخلص من الوساوس؛ لأنها تفسد عملي، وتقنطني من رحمة الله عز وجل، وتجعلني في ضيق، فهل حقًًا أشركت بالله، أم أني مصابة بالرهاب الاجتماعي، أم أنها وساوس تفسد علي ديني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جواهر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرجو ألَّا تخجلي من ذكرك لله، فإن مَن يتكلم بالفسق، بل مَن تُغنّي -والعياذ بالله، والغناء مزمار الشيطان- لا تستحي، وربما ترفع صوتها أمام الأعداد الكبيرة من البشر، لذلك ينبغي أن تذكري الله تبارك وتعالى دون تردد، وتعوذي بالله من شيطانٍ لا يريد لك الخير، وإذا جاء الشيطان واتهمك بالرياء فاستمري في الذكر، حتى تصلي إلى الإخلاص لله تبارك وتعالى، واعلمي أن مخالفة هذا العدو مطلوبة، كما قال الفضيل: (العمل من أجل الناس رياء، وترك العمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما).

فاحرصي على أن تذكري الله وتُطيلي في صلاة النوافل، وقطعًا الإنسان إذا أصبح إمامًا عليه أن يُخفف، لكن الذي يريد أن يُصلي النوافل لنفسه فمن حقه أن يُطيل كما يشاء، واعلمي أن الاستمرار في النوافل والإكثار منها هو الذي يُوصل إلى الخشوع، والإنسان يُؤجر على خشوعه، ويُؤجر على مجاهدته واجتهاده من أجل الحصول على الخشوع.

وهذا ما أشار إليه الإمام ابن القيم أن الإنسان يُؤجر على ما خشع في صلاته، ويُؤجر على ما تعب واجتهد من أجل أن يحصل على الخشوع، شأن الذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، أجر التعتعة والتعب، وأجر التلاوة التي بها الحرف بعشر حسنات، كذلك الأمر في شأن استحضار الخشوع في الصلاة، والاجتهاد في تحصيله ونيله.

نسأل الله أن يُعينك على الخشوع، وإذا راودتك هذه الوساوس فأرجو إهمالها، واعلمي أن الشيطان يأتي للحريص والحريصة، ولكن من المهم أن نُخالف عدوّنا الشيطان، ونحمد الله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة، فكون الشيطان لا يملك إلَّا أن يوسوس هذا دليل على أن كيد الشيطان لم يبلغه، لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قالوا: نعم، قال: ذَاكَ ‌صَرِيحُ ‌الْإِيمَانِ)، وسُئِلَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ فقَالَ: (تِلْكَ ‌مَحْضُ ‌الْإِيمَانِ)، ثم قال: (الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي ‌رَدَّ ‌كَيْدَهُ ‌إِلَى الْوَسْوَسَةِ)، ثم أرشد إلى العلاج فقال: (فَلْيَسْتَعِذْ ‌بِاللهِ ‌وَلْيَنْتَهِ)، وقال: (فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، ‌فَلْيَقُلْ: ‌آمَنْتُ ‌بِاللهِ)، فمن وصلت به الوساوس إلى أمر العقيدة فليقل: (لا إله إلَّا الله، آمنت بالله) ثم ينتهِي، ويتعوذ بالله من الشيطان الذي يريد أن يحزن أهل الإيمان، ولا يريد لنا الخير.

وبالنسبة للناس: أرجو ألَّا تعطيهم أكبر من حجمهم، وحاولي أن تُخالطي الصالحات، وأن تتقرّبي إلى رب الأرض والسماوات، وإذا كنت وحدك في خلوتك أو كنت مع الناس فاجعلي قلبك عامرًا بعظمة الله، ولسانك يُردد ذكر الله تبارك وتعالى، ولا تُبالي بنظرات الناس، فإنك لم تفعلي إلَّا الصواب والخير.

وللفائدة راجعي الاستشارات المرتبطة: (2407088 - 2286299 - 2416172 - 2230509 - 2359821).

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً