الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة الابتلاءات أثرت على حياتي، فما توجيهكم؟

السؤال

أنا شاب عمري (24) سنة، والحمد لله علاقتي مع الله على ما يرام وجيدة، وأحاول أن أحسن منها دائماً.

مشكلتي أني أعاني من كثرة الابتلاءات، وكثير منها أثر على نفسيتي ودراستي، أصبحت أحيا بلا هدف، وأعيش في لا مبالاة تامة، وأهملت نفسي كثيراً بسبب ما حدث لي، سواء في الدراسة أو الحياة الاجتماعية، خاصة أن أبي كان سبباً رئيسياً فيما حدث لي.

كل ما في الأمر أريد أن أسأل: هل أدفع البلاء الذي حل على أمور كثيرة في حياتي بالصبر دون أن أتخذ أي موقف من ناحيتي، وأترك الأمور على الله، ولا أسعى لكي أتزوج وغير ذلك؟!

بمعنى هل أسعي للوصول للأسباب الشرعية لدفع البلاء، أم أنتظر وصول هذه الأسباب وحدوثها؟

أرجوكم أفيدوني برأيكم، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلقد سعدنا كثيراً أيها الحبيب حينما قرأنا ما كتبته عن علاقتك بالله سبحانه وتعالى، وأنها جيدة وعلى ما يرام، ومع هذا نحن نحثك أيها الحبيب على الاستزادة من وسائل التقرب إلى الله تعالى، فإن العبد مهما فعل فإنه لن يوفي مقام العبودية حقه، فإن الله عز وجل أنعم علينا بالظاهر والباطن من النعم، بما ندركه وما لا ندركه، ومهما عمل الواحد منا من طاعات في سبيل القرب من الله تعالى، فإن هذا لن يضاهي نعمة واحدة من نعمه تعالى علينا، ومن ثم فليس أمام الإنسان إلا الاعتراف بالتقصير والإخبات والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، وطلب العفو والغفران عما يصدر منه، ولهذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في سيد الاستغفار أن نقول فيه: (أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

داوم أيها الحبيب على القيام بالفرائض والاستكثار من النوافل، وتجنب ما حرم الله سبحانه وتعالى عليك، وبذلك ستصل بإذن الله تعالى إلى الحياة السعيدة الهانئة، فإن الله عز وجل وعد أهل الإيمان والعمل الصالح فقال في كتابه الكريم: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ))[يونس:62]، وقال سبحانه: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ))[النحل:97].

أما الابتلاءات أيها الكريم فإنها في الأصل تصنع إنساناً عالي الهمة قوي الشكيمة؛ لأن الله عز وجل يبتلي العبد ليعرف جلده وصبره وتفويض أموره إلى الله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى: (( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ))[الأنبياء:35]، والمؤمن أيها الأخ الحبيب يتقلب في خير، سواء كان ممن ابتلي بالسراء أو ابتلي بالضراء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ).

لقد قدر الله سبحانه وتعالى المقادير بأسبابها، وجعل سبحانه وتعالى الأسباب موصلة إلى النتائج، وعلم عباده وأمرهم بالأخذ بالأسباب المشروعة، فلا يصح أبداً عقلاً ولا شرعاً أن يترك الإنسان الأخذ بالأسباب وينتظر النتائج، كما قال عمر رضي الله عنه: ( إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة )، وجاء في الحديث المشهور: أن عمر رضي الله تعالى عنه لما أراد دخول الشام بأصحاب رسول الله، وصله الخبر قبل أن يدخل الشام: بأن الشام فيها مرض الطاعون، فاستشار الصحابة فأشاروا عليه بالرجوع، وكان أمير الشام يومها أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله تعالى عنه، فلما رأى أن عمر سيرجع سأل أمير المؤمنين فقال: ( أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين )؟! قال: ( نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله )، فبيّن لنا رضي الله تعالى عنه بهذه المقولة العظيمة أن الإنسان مطلوب منه أن يدافع أقدار الله بأقدار الله.

الأخذ بالأسباب المشروعة أيها الحبيب هي أيضاً من الأقدار، وقد علمنا الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم في سورة مريم مثلاً رائعاً لهذه القضية، فأمر مريم -مع كونها امرأة مريضة تعاني الوضع- فقال: (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ))[مريم:25]، فأمرها سبحانه بأن تهز النخلة، مع أنه لا يستطيع أن يهزها الرجال الأقوياء، فكيف بامرأة هذا وصفها، وأخبرها بأن الرطب سيتساقط، لكنه سيتساقط كأنه مجني، وهذا فيه إشارة إلى أن الله عز وجل إنما أراد فقط منها صورة الأخذ بالسبب، ولذلك قال الشاعر:

ألم تر أن الله قال لمريم *** وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزةٍ *** ولكن كل شيء له سبب

فالمؤمن مطلوب منه أيها الحبيب أن يأخذ بالأسباب المباحة المشروعة، وأن لا يتكل على الأقدار معرضاً عنها، فإن ذلك طعن في شريعة الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر لك الخير حيث كان، وأن يوفقك للأخذ بما ينفعك، وأن يدفع عنك كل شر ومكروه.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً