الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الاقتراض بالربا لشراء سكن

السؤال

أنا شاب جزائري، أبلغ سن الثانية والثلاثين، متزوج، وأب لولد، ووددت أن تفيدوني جزاكم الله خيرا، ورحمكم وأهليكم إن شاء الله.
أنا موظف لدى الدولة، والحمد لله؛ إلا أنه عندنا بالجزائر مشكل عويص؛ ألا وهو مشكل السكن، ومرتبي لا يسمح لي أن أبتاع منزلا خاصا، ولا يمكنني بتاتا البقاء مع أهلي فإخوتي كثر -حفظهم الله- ومقيمون كلهم بشقة متكونة من ثلاث غرف، ولم أجد سوى حل مؤقت، وهو البقاء عند صهري رفقة عائلتي الصغيرة، وأنا مقيم بمنزله وبرفقته. لكن هذا الحل من الأكيد غير دائم، وفي بلادنا لا يوجد لك حل آخر سوى التوجه إلى البنك، والحصول على قرض إن إستطعت إليه سبيلا، حتى تتمكن من شراء منزل، وبطبيعة الحال يتم اقتطاع مبلغ مالي شهري من مرتبي، ومن المعروف أن البنك يمكنك من القرض لكن ترجعه بفائدة.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا، لعل سؤالي واضح. هل يمكنني شرعا أخذ القرض مع العلم أنه الحل الوحيد.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرحمني وإياكم، وأمة سيدنا محمد بمشارق الأرض ومغاربها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمما لا شك فيه أن المسكن ضرورة للإنسان، ولكن كون المكان الذي يسكن فيه ملكًا له، فهذا يعتبر حاجة، وليس ضرورة؛ إذ يمكن دفع حاجة السكن بالإيجار دون التملك.

وعليه؛ فلا يباح الاقتراض بالربا لأجل تملك المسكن، إذا كان الاستغناء بالاستئجار ممكنًا. فإن تعذر الاستئجار، ولحقت بسببه مشقة يعسر تحملها، ولم تندفع هذه المشقة إلا بالقرض الربوي، فلا حرج حينئذ في ذلك من باب أن الضرورات تبيح المحظورات.

فالمسكن من الحاجات التي لا غنى للإنسان عنها، لكن من وجد وسيلة مباحة تحقق له تلك الحاجة، فلا يباح له ارتكاب الحرام لأجلها، والربا من أعظم المحرمات التي نهى الشارع عنها، فلا يجوز تقحمها ما لم تلجئ إلى ذلك ضرورة معتبرة شرعا، قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}.
قال بعض أهل العلم مبينًا حد الضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة؛ بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس، أو بالعضو -أي: عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعًا للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. انتهى من كتاب نظرية الضرورة الشرعية.
وعليه؛ فإذا كان الاستغناء بالاستئجار ممكنًا، أو وجد المرء طرقا مشروعة للتملك؛ كالدخول في معاملة تمويلية مع أحد البنوك الإسلامية هناك، أو مع بعض التجار، فلا يباح له ارتكاب الحرام. وفي الجزائر بعض البنوك الإسلامية، وبالتالي فقولك: "هل يمكنني شرعا أخذ القرض مع العلم أنه الحل الوحيد.." إن كان المقصود به القرض الربوي، فلا يجوز ما أمكن دفع تلك الحاجة بوسيلة مباحة وفق ما بينا. والشيطان قد يزين للمرء الحرام ويعميه عن الحلال، ويلبس عليه بأنه مضطر، وهو في سعة من أمره، وقد قال الشيخ أبو الأعلى المودودي في كتاب الربا: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج، ومحافل الأفراح، والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة، أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات، أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار، ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات، لا وزن لها، ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يؤتيك من لدنه رحمة، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني