الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا أنت عصبي

لماذا أنت عصبي

لماذا أنت عصبي

الغضب شعور نفسي سوي وحالة طبيعيَّة، حينما يوظَّف للحفاظ على الحياة والعرض والدين والمال...، أمّا إذا تجاوز هذا الحدَّ إلى العدوان على الآخرين، انتقل الغضب من الحالة الطبيعيَّة إلى حالة مرضيَّة وظاهرة نفسيَّة خطيرة.

وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يغضب ( وكان غضبه لله لا لنفسه ) ، وكان إذا غضِبَ أعرضَ وأشاحَ، وإذا فَرِحَ غضَّ بصرهُ، وكان يقول: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» [متفق عليه]
وإعراض الغاضب وإشاحته سمت حسَن فيه، فالإنسان إذا غضب قسا كلامه، فجحد نعمةً، أو منع خيراً، أو اعتدى ظلماً، وكثير من المعاصي ترجع بذورها إلى الغضب؛ ولذلك كان الحلم سيِّدُ الأخلاق.

قصة المسامير:
كان هناك ولد عصبي المزاج، وكان يغضب ويفقد صوابه بشكل مستمر، فأحضر له والده كيساً مملوءاً بالمسامير، وقال له: يا بني أريدك أن تدق مسماراً في سياج حديقتنا الخشبي كلَّما اجتاحتك موجة غضب وفقدت صوابك.

وبالفعل بدأ الولد ينفّذ ما قاله أبوه.. دق في اليوم الأول سبعة وثلاثين مسماراً، لكن إدخال المسمار في السياج لم يكن سهلاً فبدأ يحاول تمالك نفسه عند الغضب، وبعد مرور أيام بدأ يدق مسامير أقل، وفي أسابيع تمكن من ضبط نفسه وتوقف عن الغضب وعن دق المسامير، فذهب إلى والده وأخبره بإنجازه، قال: يا أبت الحمد لله أن ضبطت أعصابي عند الغضب ولم أعد أدق المسامير، ففرح الأب بهذا التحول وقال له: لكن عليك الآن استخراج مسمار لكل يوم مرّ عليك ولم تغضب فيه!!

بالفعل بدأ الولد من جديد باستخراج المسامير في اليوم الذي لا يغضب فيه حتى انتهى من استخراج المسامير في السياج كان قد دق قريب 200 مسمار خلال فترة أشهر عديدة استطاع أن يرفع هذه المسامير، وفرح الولد بذلك وجاء إلى والده وأخبره بإنجازه مرة أخرى، فأخذه والده إلى السياج وقال له: يا بني أحسنت صنعاً ولكن انظر الآن إلى تلك الثقوب في السياج هل عاد السياج كما كان قبل دق المسامير؟
عندما تقول أشياء في حالة الغضب فإنها تترك آثاراً مثل هذه الثقوب في نفوس الآخرين، كما قال الشاعر:
جـراحاتُ السِّنـان له التئامٌ .. .. ولا يلتام مـا جـرَح اللسان

أنواع الغضب وأسبابه:
الغضب أنواع، منه السلبي، ومنه الإيجابي ومنه الانفعالي...، فمثلاً: الغضب على الأطفال سلبي وانفعالي وغير إيجابي، وكذلك الغضب للنفس، كالغضب لمصلحةٍ فاتت، أو لكسبٍ ضاع، أو لشهوة ولذَّة فاتت...، فهذا غضبٌ للذَّات مذموم، وهو الغضب الذي نهى عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أمّا الغضب لأجل الله تعالى أو لانتهاك حرمة أو تجاوز حق أو إيقاع ظلم... فهو غضب إيجابي محمود.

جذور الغضب عبارة عن مشكلات نفسية (عدم الحب، عدم التقدير، عدم الانتماء)، أو مشكلات في فهم الأمور (كالاستعجال عامة)، ويمكن اعتبار ذلك أسباباً غير مباشرة، ليكون السبب المباشر للغضب هو الشعور بالخوف أو بالخطر يهدد الشخص مادياً أو معنوياً، وكذلك من أسباب الغضب: (الجوع، والمرض، والاحتقان النفسي، ومحاكاة الأب الغضوب، والدلال المفرط للأطفال).

ويقول بعض علماء النفس: الغضب ليس من ذات الموقف، إنما من فهمك للموقف، من أفكارك المتعلقة بالموقف، من نظرتك وتقييمك لما يحدث، ولذلك خصمك في العصبية ليس أحد، قد تقول: هو نرفزني، هو أغضبني، هي جعلتني أعصِّب.. أبداً، ما أغضبك هو نفسك، أفكارك، محاكماتك، تقييماتك للأمور، فلا تبحث عن علاج خارج نفسك، نفسك فيها مكامن الحل.

مراحل الغضب:
يمر الغضب عند الإنسان بدورة تبدأ بالنشوء، ثم الاشتداد، فالازدياد، فالتعدي باللسان أو اليد، ثم تشوش الذهن، وأخيراً.. لوم النفس والتراجع.

في المرحلة الثالثة تلعب الكلمة الطيبة دورها بامتصاص الغضب، ودفعه نحو الزوال.. ويهتدي إلى ذلك من يستعمل عقله مع الغاضب أكثر من الاحتكام لمشاعره التي تتلقى غضب الآخر!!

علاج الغضب:
أول شيء يتطلبه علاج الغضب هو: الاعتراف بالعصبية، والبحث عن أسباب الغضب من الأشخاص والأشياء التي تثيره وتطوِّره، مع استحضار صورة نتائج الغضب، وأن معظم البلايا لا تقع إلا حال الغضب، وكذلك استحضار أجر الكاظمين الغيظ، فهذه واحدة من صفات المتقين أهل الجنة، فعن سهلٍ بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كظم غيظاً وهو يستطيع أن يُنْفِذَه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره من أيِّ الحور شاء»[أبو داود والترمذي]
يقول الله تبارك وتعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:134].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن قال رجلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرني بأمرٍ، وأَقْلِلْهُ عليَّ كي أعقله، قال: لا تغضب، فردَّد مراراً، قال: لا تغضب» [رواه البخاري والترمذي].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجال قَالَ: «لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» [رواه أبو داود].
وفي حديث البخاري: «ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، وإنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

كيف تسيطر على الغضب؟
يتكون الإنسان من أفكار ومشاعر وسلوك، فإذا تحكم بأفكاره استطاع أن يسيطر على مشاعره وسلوكه ووقتها سيعيش سعيداً بعيداً عن العصبية.
وهذه خمس نصائح تعينك على ضبط غضبك:
1 ـ التعوذ من الشيطان
قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[فصلت:36].
وعن سليمان بن صُرد رضي الله عنه قال: (استبّ رجلان عند النَّبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فبينما أحدهما يَسُبُّ صاحبه مغضباً قد احمرّ وجهه قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)[متفق عليه].

2ـ غير حالة جسمك
انتقل من حالتك التي أنت فيها إلى حالةٍ غيرها، إن كنت واقفاً فاجلس، وإن كنت جالساً فاضطجع، وإن كنت متحرّكاً فقف، وإن كنتَ تقود مركبتك فاسترح على جانب الطريق...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» [رواه أبو داود وأحمد].

3- أبرد غضبك بالماء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِقَ من النَّار، وإنما تُطْفَأُ النَّار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» [رواه أبو داود وأحمد].

4 ـ حاول ألا تتكلم
لا تتكلم وأنت غضبان، وهذا يحتاج إلى تدريب وتأهيل وممارسة، عَوِّد نفسك ألَّا تتكلم وأنت غضبان؛ لأنك غالباً ما تنطق بالخطأ في أثناء غضبك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم فليسكت» [رواه أحمد].

5 ـ اخرج من البيت
إذا غيّر الغاضب حالته وقعد بعد وقوف ولم يذهب عنه غضبه، وتوضّأ وظلَّ غاضباً، ولم يستطع السكوت، فالأفضل له أن يخرج من البيت ولا يظلَّ حيث هو، فربَّما يصل الموضوع إلى ما لا يُحمَد، فإن رأى نفسه هدأت فليعُد، ولا يناقش الموضوع إلا بعد حين.

وأخيرا
ليس كل غضب سيئ، فالغضب انفعال وقد يكون إيجابياً إذا كان في الوقت الصحيح كأن يغضب الإنسان عندما تنتهك محارم الله، ولكن العصبية التي نناقشها هنا هي العصبية السلبية وهي أن يكون الإنسان عصبيا دائما في كل موقف أو ردة فعل، وقد نجح رجل عصبي بالتخلي عن عصبيته من خلال عمل جدول يسجل فيه كم مرة يغضب باليوم ثم وضع هدفاً أسبوعياً بأن يقلل العصبية بنسبة 20% وكانت النتيجة بأنه سيطر على انفعاله بعد شهرين وصار يتحكم بانفعالاته وكان سعيدا بهذه النتيجة.
الحياة أبسط من ذلك.. وصحتك أهم من ذلك.. فلا تغضب!!

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة