الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان ما يستحب للإمام أن يفعله عقيب الفراغ من الصلاة فنقول : إذا فرغ الإمام من الصلاة فلا يخلو إما أن كانت صلاة لا تصلى بعدها سنة : أو كانت صلاة تصلى بعدها سنة : فإن كانت صلاة لا تصلى بعدها سنة كالفجر والعصر فإن شاء الإمام قام وإن شاء قعد في مكانه يشتغل بالدعاء ; لأنه لا تطوع بعد هاتين الصلاتين فلا بأس بالقعود ، إلا أنه يكره المكث على هيئته مستقبل القبلة لما روي عن عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة لا يمكث في مكانه إلا مقدار أن يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام } .

                                                                                                                                وروي أن جلوس الإمام في مصلاه بعد الفراغ مستقبل القبلة - بدعة ; ولأن مكثه يوهم الداخل أنه في الصلاة فيقتدي به فيفسد اقتداؤه ، فكان المكث تعريضا لفساد اقتداء غيره به فلا يمكث ، ولكنه يستقبل القوم بوجهه إن شاء ، إن لم يكن بحذائه أحد يصلي ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { إذا فرغ من صلاة [ ص: 160 ] الفجر استقبل بوجهه أصحابه وقال : هل رأى أحدكم رؤيا ؟ } كأنه كان يطلب رؤيا فيها بشرى بفتح مكة .

                                                                                                                                فإن كان بحذائه أحد يصلي لا يستقبل القوم بوجهه ; لأن استقبال الصورة الصورة في الصلاة مكروه ، لما روي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يصلي إلى وجه غيره فعلاهما بالدرة وقال للمصلي : أتستقبل الصورة ، وللآخر أتستقبل المصلي بوجهك ، وإن شاء انحرف ; لأن بالانحراف يزول الاشتباه كما يزول بالاستقبال ، ثم اختلف المشايخ في كيفية الانحراف ، قال بعضهم : ينحرف إلى يمين القبلة تبركا بالتيامن ، وقال بعضهم : ينحرف إلى اليسار ليكون يساره إلى اليمين ، وقال بعضهم : هو مخير إن شاء انحرف يمنة وإن شاء يسرة وهو الصحيح ; لأن ما هو المقصود من الانحراف وهو زوال الاشتباه يحصل بالأمرين جميعا .

                                                                                                                                ( وإن ) كانت صلاة بعدها سنة يكره له المكث قاعدا ، وكراهة القعود مروية عن الصحابة رضي الله عنهم روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا إذا فرغا من الصلاة قاما كأنهما على الرضف ; ولأن المكث يوجب اشتباه الأمر على الداخل فلا يمكث ولكن يقوم ويتنحى عن ذلك المكان ثم ينتقل ، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أيعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر } ، وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كره للإمام أن يتنفل في المكان الذي أم فيه ; ولأن ذلك يؤدي إلى اشتباه الأمر على الداخل فينبغي أن يتنحى إزالة للاشتباه ، أو استكثارا من شهوده على ما روي أن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة .

                                                                                                                                ( وأما ) المأمومون فبعض مشايخنا قالوا : لا حرج عليهم في ترك الانتقال لانعدام الاشتباه على الداخل عند معاينة فراغ مكان الإمام عنه .

                                                                                                                                وروي عن محمد أنه قال : يستحب للقوم أيضا أن ينقضوا الصفوف ويتفرقوا ليزول الاشتباه على الداخل المعاين الكل في الصلاة البعيد عن الإمام ، ولما روينا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

                                                                                                                                ( وأما ) الذي هو في الصلاة فنوعان : نوع هو أصلي ، ونوع هو عارض ثبت وجوبه بسبب عارض .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية