الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                مطلب مس المصحف ( وأما ) الثاني ، وهو بيان حكم الحدث فللحدث أحكام ، وهي أن لا يجوز للمحدث أداء الصلاة لفقد شرط جوازها ، وهو الوضوء قال صلى الله عليه وسلم { لا صلاة إلا بوضوء } ، ولا مس المصحف من غير غلاف عندنا ، وعند الشافعي يباح له مس المصحف من غير غلاف وقاس المس على القراءة فقال : يجوز له القراءة فيجوز له المس .

                                                                                                                                ( ولنا ) قوله تعالى { لا يمسه إلا المطهرون } وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يمس القرآن إلا طاهر } ، ولأن تعظيم القرآن واجب ، وليس من التعظيم مس المصحف بيد حلها حدث ، واعتبار المس بالقراءة غير سديد ، لأن حكم الحدث لم يظهر في الفم وظهر في اليد بدليل أنه افترض غسل اليد ، ولم يفترض غسل الفم في الحدث فبطل الاعتبار ، ولا مس الدراهم التي عليها القرآن ، لأن حرمة المصحف كحرمة ما كتب منه فيستوي فيه الكتابة في المصحف ، وعلى الدراهم ، ولا مس كتاب التفسير ، لأنه يصير بمسه ماسا للقرآن .

                                                                                                                                وأما مس كتاب الفقه ، فلا بأس به [ ص: 34 ] والمستحب له أن لا يفعل ، ولا يطوف بالبيت .

                                                                                                                                وإن طاف جاز مع النقصان لأن الطواف بالبيت شبيه بالصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم { الطواف بالبيت صلاة } ، ومعلوم أنه ليس بصلاة حقيقية فلكونه طوافا حقيقة يحكم بالجواز ، ولكونه شبيها بالصلاة يحكم بالكراهة .

                                                                                                                                ثم ذكر الغلاف ، ولم يذكر تفسيره ، واختلف المشايخ في تفسيره فقال بعضهم : هو الجلد المتصل بالمصحف وقال بعضهم : هو الكم ، والصحيح أنه الغلاف المنفصل عن المصحف ، وهو الذي يجعل فيه المصحف وقد يكون من الجلد وقد يكون من الثوب ، وهو الخريطة ، لأن المتصل به تبع له فكان مسه مسا للقرآن ، ولهذا لو لبيع المصحف دخل المتصل به في البيع ، والكم تبع للحامل فأما المنفصل فليس بتبع ، حتى لا يدخل في بيع المصحف من غير شرط .

                                                                                                                                وقال بعض مشايخنا : إنما يكره له مس الموضع المكتوب دون الحواشي ، لأنه لم يمس القرآن حقيقة ، والصحيح أنه يكره مس كله ، لأن الحواشي تابعة للمكتوب فكان مسها مسا للمكتوب ، ويباح له قراءة القرآن لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة } .

                                                                                                                                ويباح له دخول المسجد ، لأن وفود المشركين كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فيدخلون عليه ، ولم يمنعهم من ذلك ، ويجب عليه الصوم ، والصلاة حتى يجب قضاؤهما بالترك لأن الحدث لا ينافي أهلية أداء الصوم ، فلا ينافي أهلية وجوبه ، ولا ينافي أهلية وجوب الصلاة أيضا ، وإن كان ينافي أهلية أدائها ، لأنه يمكنه رفعه بالطهارة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية