الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام ) خلافا للشافعي رحمه الله في الفاتحة .

له أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه .

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } [ ص: 339 ] وعليه إجماع الصحابة [ ص: 340 - 341 ] وهو ركن مشترك بينهما ، لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع قال عليه الصلاة والسلام { وإذا قرأ الإمام فأنصتوا } ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد رحمه الله ، ويكره عندهما لما فيه من الوعيد [ ص: 342 ] ( ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب ) لأن الاستماع والإنصات فرض بالنص ، والقراءة وسؤال الجنة والتعوذ من النار كل ذلك مخل به [ ص: 343 ] وكذلك في الخطبة ، ( وكذلك إن صلى على النبي عليه الصلاة والسلام ) لفرضية الاستماع [ ص: 344 ] إلا أن يقرأ الخطيب قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } الآية ، فيصلي السامع في نفسه .

واختلفوا في الثاني عن المنبر ، والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الإنصات ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله له أن القراءة ركن فيشتركان فيه ) أما الأولى فظاهرة ، وأما الثانية فلقوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر منه } وهو عام في المصلين ، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة إلا بقراءة } ( قوله ولنا قوله صلى الله عليه وسلم { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } ) فإذا صح وجب أن يخص عموم الآية والحديث على طريقة الخصم مطلقا فيخرج المقتدي ، وعلى طريقتنا يخص أيضا لأنهما عام خص منه البعض ، وهو المدرك في الركوع إجماعا فجاز تخصيصهما بعده بالمقتدي بالحديث المذكور .

وكذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم { فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } على غير حالة الاقتداء جمعا بين الأدلة ، بل يقال القراءة ثابتة من المقتدي شرعا فإن قراءة الإمام قراءة له ، فلو قرأ لكان له قراءتان في صلاة واحدة وهو غير مشروع ، بقي الشأن في تصحيحه .

وقد روي من طرق عديدة مرفوعا عن جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم وقد ضعف ، واعترف المضعفون لرفعه مثل الدارقطني والبيهقي وابن عدي بأن الصحيح أنه مرسل لأن الحفاظ كالسفيانين وأبي الأحوص وشعبة وإسرائيل وشريك وأبي خالد الدالاني وجرير وعبد الحميد وزائدة وزهير رووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوه . وقد أرسله مرة أبو حنيفة رضي الله عنه كذلك ، فنقول : المرسل حجة عند أكثر أهل العلم فيكفينا فيما يرجع إلى العمل على رأينا ، وعلى طريق الإلزام أيضا بإقامة الدليل على حجية المرسل ، وعلى تقدير التنزل عن حجيته فقد رفعه أبو حنيفة بسند صحيح .

روى محمد بن الحسن في موطئه : أخبرنا أبو حنيفة ، حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة } . وقولهم إن الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه غير صحيح .

قال أحمد بن منيع في مسنده : أخبرنا إسحاق الأزرق ، حدثنا سفيان وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } قال : وحدثنا جرير عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ولم يذكر عن جابر ، ورواه عبد بن حميد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الحسن بن صالح عن أبي الزهير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، وإسناد حديث جابر الأول صحيح على شرط مسلم [ ص: 339 ] فهؤلاء سفيان وشريك وجرير وأبو الزهير رفعوه بالطرق الصحيحة فبطل عدهم فيمن لم يرفعه ، ولو تفرد الثقة وجب قبوله لأن الرفع زيادة وزيادة الثقة مقبولة فكيف ولم ينفرد ، والثقة قد يسند الحديث تارة ويرسله أخرى .

وأخرجه ابن عدي عن أبي حنيفة في ترجمته ، وذكر فيه قصة وبها أخرجه أبو عبد الله الحاكم قال : حدثنا أبو محمد بن بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي ، حدثنا عبد الصمد بن الفضل البلخي حدثنا مكي بن إبراهيم عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن جابر بن عبد الله { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ورجل خلفه يقرأ ، فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة ، فلما انصرف أقبل عليه الرجل وقال : أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فتنازعا حتى ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة } وفي رواية لأبي حنيفة أن ذلك كان في الظهر أو العصر هكذا { إن رجلا قرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر فأومأ إليه رجل فنهاه ، فلما انصرف قال : أتنهاني } الحديث .

وهذا يفيد أن أصل الحديث هذا ، غير أن جابرا روي عنه محل الحكم فقط تارة والمجموع تارة ، ويتضمن رد القراءة خلف الإمام لأنه خرج تأييدا لنهي ذلك الصحابي عنها مطلقا في السرية والجهرية خصوصا في رواية أبي حنيفة رضي الله عنه أن القصة كانت في الظهر أو العصر لا إباحة فعلها وتركها فيعارض ما روي في بعض روايات حديث { ما لي أنازع القرآن } أنه قال { إن كان لا بد فالفاتحة } وكذا ما رواه أبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت قال { كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة ، فلما فرغ قال : لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قلنا نعم هذا يا رسول الله ، قال : لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها } ويقدم لتقدم المنع على الإطلاق عند التعارض ولقوة السند ، فإن حديث المنع { من كان له إمام } أصح ، فبطل رد المتعصبين وتضعيف بعضهم لمثل أبي حنيفة مع تضييقه في الرواية إلى الغاية حتى إنه شرط التذكر لجواز الرواية بعد علمه أنه خطه ، ولم يشترط الحفاظ هذا ولم يوافقه صاحباه ، ثم قد عضد بطرق كثيرة عن جابر غير هذه وإن ضعفت ، وبمذاهب الصحابة رضي الله عنهم حتى قال المصنف : إن عليه إجماع الصحابة في موطإ مالك [ ص: 340 ] عن نافع عن ابن عمر قال : { إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام ، وإذ صلى وحده فليقرأ } قال : وكان ابن عمر رضي الله عنه لا يقرأ خلف الإمام ، ورواه عنه الدارقطني مرفوعا وقال : رفعه وهم ، لكن إذا صح عنه ذلك فالظاهر أنه لسماعه منه صلى الله عليه وسلم فيكون رفعه صحيحا وإن كان راويه ضعيفا .

وروى ابن عدي في الكامل عن إسماعيل بن عمر وابن نجيح بن إسحاق البجلي عن الحسن بن صالح عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } وقال : هذا لا يتابع عليه إسماعيل وهو ضعيف وليس كما قال ، بل تابعه عليه النضر بن عبد الله ، روى الطبراني في الأوسط : حدثنا محمد بن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، حدثني أبي عن جدي عن النضر بن عبد الله ، حدثنا الحسن إلخ سندا ومتنا . وروي من حديث ابن عباس رضي الله عنه يرفعه وفيه كلام .

وروى الطحاوي في شرح الآثار : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن عبد الله بن مقاسم أنه سأل عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقالوا : لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة .

وروى محمد بن الحسن في موطئه عن سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل قال : سئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام ، قال : أنصت فإن في الصلاة شغلا ويكفيك الإمام : وروى فيه عن داود بن قيس الفراء المدني قال : أخبرني بعض ولد سعد بن أبي وقاص أن سعدا رضي الله عنه قال : وددت الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة ، ورواه عبد الرزاق إلا أنه قال في فيه حجر .

وروى محمد أيضا في موطئه عن داود بن قيس عن ابن عجلان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا . وأخرجه أيضا عبد الرزاق .

وأخرج الطحاوي عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة قال : قلت لابن عباس : أقرأ والإمام بين يدي ؟ قال لا .

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر قال : لا تقرأ خلف الإمام إن جهر ولا إن خافت .

وأخرج هو وعبد الرزاق من قول علي رضي الله عنه قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة .

وأخرجه الدارقطني من طريق وقال : لا يصح إسناده . وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء : هذا يرويه عبد الله بن أبي ليلى الأنصاري عن علي وهو باطل ، ويكفي في بطلانه إجماع المسلمين على خلافه ، وأهل الكوفة إنما اختاروا ترك القراءة خلف الإمام فقط لا أنهم لم يجيزوا ذلك ، وابن أبي ليلى هذا رجل مجهول انتهى .

وليس ما نسبه إلى أهل الكوفة بصحيح بل هم يمنعونه وهي عندهم تكره ، والمراد كراهة التحريم كما يفيده قول المصنف ، وعندهما يكره لما فيه من الوعيد .

وصرح بعض المشايخ بأنها لا تحل خلف الإمام ، وقد عرف من طريق [ ص: 341 ] أصحابنا أنهم لا يطلقون الحرام إلا على ما حرمته بقطعي .

وفي سنن النسائي أخبرنا هارون بن عبد الله ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا معاوية بن صالح ، حدثنا أبو الزاهرية ، حدثني كثير بن مرة الحضرمي ، عن أبي الدرداء سمعته يقول { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفي كل صلاة قراءة قال نعم ، قال رجل من الأنصار : وجبت هذه فالتفت إلي وكنت أقرب القوم منه فقال : ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم } فإن لم يكن هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام أبي الدرداء فلم يكن ليروي عن النبي صلى الله عليه وسلم { في كل صلاة قراءة } ثم يعتد بقراءة الإمام عن المقتدي إلا لعلم عنده فيه من النبي صلى الله عليه وسلم ( قوله قال صلى الله عليه وسلم { وإذا قرأ فأنصتوا } ) رواها مسلم زيادة في حديث { إذا كبر الإمام فكبروا } وقد ضعفها أبو داود وغيره ، ولم يلتفت إلى ذلك بعد صحة طريقها وثقة راويها ، وهذا هو الشاذ المقبول ، ومثل هذا هو الواقع في حديث { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } ( قوله على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد ) تقتضي هذه العبارة أنها ليست ظاهر الرواية عنه كما قال في الزكاة خلافا لأبي يوسف فيما يروي عنه في دين الزكاة ، وهو الذي يظهر من قوله في الذخيرة : وبعض مشايخنا ذكروا أن على قول محمد لا يكره وعلى قولهما يكره ، ثم قال في الفصل الرابع الأصح أنه يكره .

والحق أن قول محمد كقولهما ، فإن عباراته في كتبه مصرحة بالتجافي عن خلافه ، فإنه في كتاب الآثار في باب القراءة خلف الإمام بعدما أسند إلى علقمة بن قيس أنه ما قرأ قط فيما يجهر فيه ولا فيما لا يجهر فيه ، قال : وبه نأخذ لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلاة يجهر فيه أو لا يجهر ، ثم استمر في إسناد آثار أخر ثم قال : قال محمد : لا ينبغي أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات .

وفي موطئه بعد أن روى في منع القراءة في الصلاة ما روي .

قال : قال محمد : لا قراءة خلف الإمام فيما جهر وفيما لم يجهر فيه . بذلك جاءت عامة الأخبار ، وهو قول أبي حنيفة .

وقال السرخسي : تفسد صلاته في قول عدة من الصحابة ، ثم لا يخفى أن الاحتياط في عدم القراءة خلف الإمام لأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين ، وليس مقتضى أقواهما القراءة بل المنع ( قوله لما فيه من الوعيد ) [ ص: 342 ] تقدم بعضه فيما أسندناه من أقوال الصحابة ( قوله وإن قرأ الإمام ) إن للوصل ، وذلك لأن الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع ، قال تعالى { فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } ووعده حتم وإجابة دعاء المتشاغل عنه به غير مجزوم به ، وكذا الإمام لا يشتغل بغير القراءة سواء أم في الفرض أو النفل ، أما المنفرد ففي الفرض كذلك .

وفي النفل يسأل الجنة ويتعوذ من النار عند ذكرهما ويتفكر في آية المثل ، وقد ذكروا فيه حديث حذيفة { صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة إلا وقف وسأل الله تعالى الجنة ، وما مر بآية فيها ذكر النار إلا وقف وتعوذ من النار } وهذا يقتضي أن الإمام يفعله في النافلة وهم صرحوا بالمنع إلا أنهم عللوه بالتطويل على المقتدي ، فعلى هذا لو أم من يعلم منه طلب ذلك يفعله ( قوله بالنص ) يعني قوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } والإنصات لا يخص الجهرية لأنه عدم الكلام ، لكن قيل إنه السكوت للاستماع لا مطلقا .

وحاصل الاستدلال بالآية أن المطلوب أمران : الاستماع ، والسكوت فيعمل بكل منهما ، والأول يخص الجهرية ، والثاني لا فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا ، وهذا بناء على أن ورود الآية في القراءة في الصلاة .

وأخرج البيهقي عن الإمام أحمد قال : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة . وأخرج عن مجاهد { كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فسمع قراءة فتى من الأنصار فنزل { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } } وأخرج ابن مردويه في تفسيره قال : حدثنا أبو أسامة عن سفيان عن أبي المقدام هشام بن زياد عن معاوية بن قرة قال : سألت بعض أشياخنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسبه قال عبد الله بن مغفل : كل من سمع القرآن وجب عليه الاستماع والإنصات ، قال : إنما نزلت هذه الآية { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } في القراءة خلف الإمام ، هذا وفي كلام أصحابنا ما يدل على وجوب الاستماع في الجهر بالقرآن مطلقا .

قال في الخلاصة : رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن فلا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارئ ، وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم ، وهذا صريح في إطلاق الوجوب ، ولأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب .

[ فروع في القراءة خارج الصلاة ] يستحب لمريدها أن يلبس أحسن ثيابه ويتعمم ويستقبل ، وكذا العالم للعلم تعظيما له ، ولو قرأ مضطجعا فلا بأس ويضم رجليه عند القراءة لأنه تعظيم النائم ، بخلاف مدهما فإنه سوء أدب ، ولو قرأ ماشيا أو عند النسج ونحوه من الأعمال أو هي عند الغزل ونحوه ، إن كان القلب حاضرا غير مشتغل لا يكره ، ويختم القرآن في الصيف أول النهار وفي الشتاء أول الليل ، وقراءة القرآن كله في يوم أفضل من قراءة سورة الإخلاص [ ص: 343 ] خمسة آلاف مرة ، هذا في حق قارئ القرآن ، وقراءتها ثلاثا عند الختم خارج الصلاة .

اختلف المشايخ في استحبابه ، واستحسنه مشايخ العراق ، وفي المكتوبة لا يزيد على مرة ، ولا يقرأ في المغتسل والمخرج والحمام ومكشوف العورة ، أو وامرأته هناك تغتسل مكشوفة وكذا الذكر .

والمختار في الحمام أن الكراهة إن جهر وفيه أحد مكشوف العورة ، وتعلم باقي القرآن لمن تعلم بعض الفرائض أفضل من صلاة التطوع ، وتعلم الفقه أفضل من تعلم باقي القرآن وجميع الفقه لا بد منه ، وتعلم المرأة من المرأة أحب من تعلمها من الأعمى ( قوله وكذلك في الخطبة ) هذا إذا كان بحيث يستمع ، فأما النائي فلا رواية فيه عن المتقدمين .

واختلف المتأخرون ، والأحوط السكوت : يعني عدم القراءة والكتابة ونحوها ، كالكلام المباح فإنه مكروه في المسجد في غير حال الخطبة فكيف في حالها ، ولأنه إن لم يسمع فقد يشوش بهمهمته على من يقرب منه وهو بحيث يسمع ، وكذا الإمام لا يتكلم في خلاله لأن التكلم في خلال الذكر المنظوم يذهب بهاءه ، والتشميت ورد السلام على هذا لأن السلام ممنوع في هذه الحالة فلا ينتهض سببا لإيجاب الرد .

وعن الفضلي أن على هذا ; السلام على المدرس في درسه والقارئ ، وصاحب الورد في ورده ، وسلام المكدي لقصده به المال لا إفشاء السلام .

واعلم أن حديث المدرس يحتاج إلى نية خالصة في عدم الرد فليحذر من تلبيس النفس قصد العظمة بقصد العبادة وإنه يشتغل عنها بالرد ، والله مطلع على ما في الضمير .

[ فروع مهمة في الفتاوى ]

القراءة في الركعتين من آخر السورة أفضل أو سورة بتمامها ، قال : إن كان آخر السورة أكثر من السورة التي أراد قراءتها كان آخر السورة أفضل ، وينبغي أن يقرأ في الركعتين آخر سورة واحدة لا آخر سورة في كل ركعة فإنه مكروه عند الأكثر .

وفي الخلاصة : إذا قرأ سورة واحدة في ركعتين اختلف فيه ، والأصح أنه لا يكره ، لكن لا ينبغي أن يفعل ولو فعل لا بأس به ، وكذا لو قرأ وسط السورة أو آخر سورة في الأولى ، وفي الثانية وسط سورة أو آخر سورة أخرى : أي لا ينبغي أن يفعل ، ولو فعل لا بأس به .

وفي نسخة الحلواني : قال بعضهم يكره .

ولو جمع بين سورتين في ركعة لا ينبغي أن يفعل ولو فعل لا بأس به .

والانتقال من آية من سورة إلى آية من سورة أخرى أو من هذه السورة بينهما آيات مكروه ، وكذا الجمع بين سورتين بينهما سور أو سورة في ركعة ، أما في الركعتين فإن كان بينهما سور أو سورتان لا يكره ، وإن كان سورة قيل يكره ، وقيل إن كانت طويلة لا يكره كما إذا كانت سورتان قصيرتان ، وإن قرأ في ركعة سورة وفي الثانية ما فوقها أو فعل ذلك في ركعة فهو مكروه ، وإن وقع هذا من غير قصد بأن قرأ في الأولى ب " قل أعوذ برب الناس " يقرأ في الثانية هذه السورة أيضا .

قال في الخلاصة : هذا كله في الفرائض .

أما في النوافل فلا يكره ، وعندي [ ص: 344 ] في الكلية نظر { فإنه صلى الله عليه وسلم نهى بلالا عن الانتقال من سورة إلى سورة وقال له : إذا ابتدأت بسورة فأتمها على نحوها حين سمعه ينتقل من سورة إلى سورة في التهجد } ولو قصد سورة وافتتح غيرها فأراد تركها إلى المقصود كره ذلك ولو كان حرفا واحدا ، ولو كبر للركوع ثم بدا له أن يزيد في القراءة لا بأس به ما لم يركع ( قوله إلا أن يقرأ الخطيب ) أفاد وجوب السكوت في الثانية كلها أيضا ما خلا المستثنى ، وروي الاستثناء عن أبي يوسف رحمه الله ، واستحسنه بعض المشايخ لأن الإمام حكى أمر الله بالصلاة واشتغل هو بالامتثال فيجب عليهم موافقته وإلا أشبه عدم الالتفات ، والله أعلم .




الخدمات العلمية