الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب صلاة المسافر من إضافة الشيء إلى شرطه أو محله ، ولا يخفى أن التلاوة عارض هو عبادة والسفر عارض مباح إلا بعارض [ ص: 121 ] فلذا أخر ; وسمي به لأنه يسفر عن أخلاق الرجال .

( من خرج من عمارة موضع إقامته ) من جانب خروجه وإن لم يجاوز من الجانب الآخر . وفي الخانية : إن كان [ ص: 122 ] بين الفناء والمصر أقل من غلوة وليس بينهما مزرعة يشترط مجاوزته وإلا فلا ( قاصدا ) ولو كافرا ، ومن طاف الدنيا بلا قصد لم يقصر ( مسيرة ثلاثة أيام ولياليها ) من أقصر أيام السنة ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل [ ص: 123 ] بل إلى الزوال ولا اعتبار بالفراسخ على المذهب ( بالسير الوسط مع الاستراحات المعتادة ) حتى لو أسرع فوصل في يومين قصر ; ولو لموضع طريقان أحدهما مدة السفر والآخر أقل قصر في الأول لا الثاني .

( صلى الفرض الرباعي ركعتين ) وجوبا لقول ابن عباس : { إن الله فرض على لسان نبيكم صلاة المقيم أربعا [ ص: 124 ] والمسافر ركعتين } ، ولذا عدل المصنف عن قولهم قصر لأن الركعتين ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرضه والإكمال ليس رخصة في حقه بل إساءة .

قلت : وفي شروح البخاري أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين سفرا وحضرا إلا المغرب فلما هاجر عليه الصلاة والسلام واطمأن بالمدينة زيدت إلا الفجر لطول القراءة فيها والمغرب لأنها وتر النهار فلما استقر فرض الرباعية خفف فيها في السفر عند نزول قوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } وكان قصرها في السنة الرابعة من الهجرة وبهذا تجتمع الأدلة ا هـ كلامهم فليحفظ

التالي السابق


باب صلاة المسافر

قدر الشارح صلاة لأنها المقصودة من الباب . والسفر لغة قطع المسافة من غير تقدير ، والمراد سفر خاص وهو الذي تتغير به الأحكام من قصر الصلاة وإباحة الفطر وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام وسقوط وجوب الجمعة والعيدين والأضحية وحرمة الخروج على الحرة من غير محرم ط عن العناية .

( قوله من إضافة الشيء ) أي الصلاة إلى شرطه أي المسافر فإنه شرط لها ح . وفيه أن الشرط السفر لا المسافر ط عن الحموي .

( قوله أو محله ) فإن المسافر محل لها أو من إضافة الفعل إلى فاعله وقد قدمنا في أول باب صلاة المريض أن كل فاعل محل ولا عكس ح ( قوله ولا يخفى ) شروع في وجه تأخيره عن التلاوة ويعلم منه المناسبة وهي العروض في كل ط أي العروض المكتسب بخلاف السهو والمرض فإن كلا منهما عارض سماوي .

( قوله إلا بعارض ) استثناء من قوله عبادة وقوله مباح : [ ص: 121 ] أي الأصل في التلاوة العبادة إلا بعارض نحو رياء أو سمعة أو جنابة فتكون معصية وفي السفر الإباحة إلا بعارض نحو حج أو جهاد فيكون طاعة أو نحو قطع طريق فيكون معصية .

( قوله فلذا أخر ) أي لكون الأصل فيه الإباحة فإنه دون ما الأصل فيه العبادة .

( قوله لأنه يسفر ) بفتح الياء من الثلاثي ط عن القهستاني .

( قوله عن أخلاق الرجال ) أو لأنه يسفر عن وجه الأرض أي يكشف ، وعليهما فالمفاعلة بمعنى أصل الفعل ويجوز أن تكون على بابها باعتبار أن السفر لا يكون إلا من اثنين فأكثر غالبا فكل منهما يسفر عن أخلاق صاحبه أو أنه ينكشف للأرض وهي تنكشف له ح .

( قوله من خرج من عمارة موضع إقامته ) أراد بالعمارة ما يشمل بيوت الأخبية لأن بها عمارة موضعها .

قال في الإمداد : فيشترط مفارقتها ولو متفرقة وإن نزلوا على ماء أو محتطب يعتبر مفارقته كذا في مجمع الروايات ، ولعله ما لم يكن محتطبا واسعا جدا ا هـ وكذا ما لم يكن الماء نهرا بعيد المنبع ، وأشار إلى أنه يشترط مفارقة ما كان من توابع موضع الإقامة كربض المصر وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنه في حكم المصر وكذا القرى المتصلة بالربض في الصحيح ، بخلاف البساتين ، ولو متصلة بالبناء لأنها ليست من البلدة ولو سكنها أهل البلدة في جميع السنة أو بعضها ، ولا يعتبر سكنى الحفظة والأكرة اتفاق إمداد .

وأما الفناء وهو المكان المعد لمصالح البلد كركض الدواب ودفن الموتى وإلقاء التراب ، فإن اتصل بالمصر اعتبر مجاوزته وإن انفصل بغلوة أو مزرعة فلا كما يأتي ، بخلاف الجمعة فتصح إقامتها في الفناء ولو منفصلا بمزارع لأن الجمعة من مصالح البلد بخلاف السفر كما حققه الشرنبلالي في رسالته وسيأتي في بابها ، والقرية المتصلة بالفناء دون الربض لا تعتبر مجاوزتها على الصحيح كما في شرح المنية .

أقول : إذا علمت ذلك ظهر لك أن ميدان الحصا في دمشق من ربض المصر وأن خارج باب الله إلى قرية القدم من فنائه لأنه مشتمل على الجبانة المتصلة بالعمران وهو معد لنزول الحاج الشريف فإنه قد يستوعب نزولهم من الجبانة إلى ما يحاذي القرية المذكورة فعلى هذا لا يصح القصر فيه للحجاج وكذا المرجة الخضراء فإنها معدة لقصر الثياب وركض الدواب ونزول العساكر ما لم يجاوز صدر الباز بناء على ما حققه الشرنبلالي في رسالته من أن الفناء يختلف باختلاف كبر المصر وصغره فلا يلزم تقديره بغلوة كما روي عن محمد ولا بميل أو ميلين كما روي عن أبي يوسف .

( قوله من جانب خروجه إلخ ) قال في شرح المنية : فلا يصير مسافرا قبل أن يفارق عمران ما خرج منه من الجانب الذي خرج ، حتى لو كان ثمة محلة منفصلة عن المصر ، وقد كانت متصلة به لا يصير مسافرا ما لم يجاوزها

ولو جاوز العمران من جهة خروجه وكان بحذائه محلة من الجانب الآخر يصير مسافرا إذ المعتبر جانب خروجه ا هـ وأراد بالمحلة في المسألتين ما كان عامرا أما لو كانت المحلة خرابا ليس فيها عمارة فلا يشترط مجاوزتها في المسألة الأولى ولو متصلة بالمصر كما لا يخفى ، فعلى هذا لا يشترط مجاوزة المدارس التي في سفح قاسيون إلا ما كان له أبنية قائمة كمسجد الأفرم والناصرية ، بخلاف ما صار منها بساتين ومزارع كالأبنية التي في طريق الربوة ثم لا بد أن تكون المحلة في المسألة الثانية من جانب واحد ، فلو كان العمران من الجانبين فلا بد من مجاوزته لما في الإمداد لو حاذاه من أحد جانبيه فقط لا يضره كما في قاضي خان وغيره . ا هـ .

والظاهر أن محاذاة الفناء المتصل كمحاذاة العمران ، بقي هل المراد بالجانب البعيد أو ما يشمل القريب ؟ وعليه فلينظر فيما لو خرج من جهة المرجة الخضراء [ ص: 122 ] فوق الشرف الأعلى من الطريق فإن المرجة أسفل منه وهي من الفناء كما ذكرناه ، وأما هو فإنه بعد مجاوزة تربة البرامكة ليس من الفناء مع أنه منفصل عن العمران بمزارع وفيه مزارع فهل يشترط أن يجاوز ما يحاذيه من المرجة لقربها منه أم لا ؟ فليحرر . والظاهر اشتراط مجاوزته لأن ذلك من جانب خروجه لا من جانب آخر .

( قوله أقل من غلوة ) هي ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة هو الأصح بحر عن المجتبى .

( قوله قاصدا ) أشار به مع قوله خرج إلى أنه لو خرج ولم يقصد أو قصد ولم يخرج لا يكون مسافرا ح .

قال في البحر : وأشار إلى أن النية لا بد أن تكون قبل الصلاة ، ولذا قال في التجنيس : إذا افتتح الصلاة في السفينة حال إقامته في طرف البحر فنقلتها الريح ونوى السفر يتم صلاة المقيم عند أبي يوسف خلافا لمحمد لأنه اجتمع في هذه الصلاة ما يوجب الأربع وما يمنع فرجحنا ما يوجب الأربع احتياطا ا هـ وإنما يشترط قصده لو كان مستقلا برأيه ، فلو تابعا لغيره فالاعتبار بنية المتبوع كما سيأتي وعليه خرج في البحر ما في التجنيس لو حمله آخر وهو لا يدري أين يذهب معه يتم حتى يسير ثلاثا فيقصر لأنه لزمه القصر من حين حمل ; ولو صلى قصرا من يوم الحمل صح إلا إذا سار به أقل من ثلاثة لأنه تبين أنه مقيم وفي الأول أنه مسافر ا هـ وأشار إلى أن الخروج مع قصد السفر كاف وإن رجع قبل تمامه كما يأتي ; حتى لو سار يوما ولم يكن صلى فيه لعذر ثم رجع يقضيه قصرا كما أفتى به العلامة قاسم .

( قوله ولو كافرا ) فيه أنه يشمل الصبي أيضا مع أنه سيأتي في الفروع ما يدل على أن نيته السفر غير معتبرة كما سنبينه هناك ( قوله بلا قصد ) بأن قصد بلدة بينه وبينها يومان للإقامة بها فلما بلغها بدا له أن يذهب إلى بلدة بينه وبينها يومان وهلم جرا . ح . قال في البحر : وعلى هذا قالوا أمير خرج مع جيشه في طلب العدو ولم يعلم أين يدركهم فإنه يتم وإن طالت المدة أو المكث ; أما في الرجوع فإن كانت مدة سفر قصر . ا هـ .

( قوله مسيرة ثلاثة أيام ولياليها ) الأولى حذف الليالي كما فعل في الكنز والجامع الصغير إذ لا يشترط السير فيها مع الأيام ولذا قال في الينابيع المراد بالأيام النهار لأن الليل للاستراحة فلا يعتبر ا هـ نعم لو قال أو لياليها بالعطف بأو لكان أولى للإشارة إلى أنه يصح قصد السفر فيها وأن الأيام غير قيد فتأمل .

( قوله من أقصر أيام السنة ) كذا في البحر والنهر وعزاه في المعراج إلى العتابي وقاضي خان وصاحب المحيط ، وبحث فيه في الحلية بأن الظاهر إبقاؤها على إطلاقها بحسب ما يصادفه من الوقوع فيها طولا وقصرا واعتدالا إن لم تقدر بالمعتدلة التي هي الوسط . ا هـ .

قلت : والمعتدلة هي زمان كون الشمس في الحمل أو الميزان وعليها مشى القهستاني ثم قال وفي شرح الطحاوي أن بعض مشايخنا قدروه بأقصر أيام السنة ( قوله ولا يشترط إلخ ) إذ لا بد للمسافر من النزول للأكل والشرب والصلاة ولأكثر النهار حكم كله فإن المسافر إذا بكر في اليوم الأول وسار إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل بها للاستراحة وبات بها ثم بكر في اليوم الثاني وسار إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في اليوم الثالث ومشى إلى الزوال فبلغ المقصد قال شمس الأئمة السرخسي : الصحيح أنه يصير مسافرا عند النية كما في الجوهرة والبرهان إمداد ومثله في البحر والفتح وشرح المنية .

أقول : وفي قوله حتى بلغ المرحلة إشارة إلى أنه لا بد أن يقطع في ذلك اليوم الذي ترك في أوله الاستراحات المرحلة المعتادة التي يقطعها في يوم كامل مع الاستراحات ، وبهذا يظهر لك أن المراد من التقدير بأقصر أيام السنة إنما هو في البلاد المعتدلة التي يمكن قطع المرحلة المذكورة في معظم اليوم من أقصر أيامها ، فلا يرد أن أقصر أيام [ ص: 123 ] السنة في بلاد بلغار قد يكون ساعة أو أكثر أو أقل فيلزم أن يكون مسافة السفر فيها ثلاث ساعات أو أقل لأن القصر الفاحش غير معتبر كالطول الفاحش والعبارات حيث أطلقت تحمل على الشائع الغالب دون الخفي النادر ويدل على ما قلنا ما في الهداية ، وعن أبي حنيفة التقدير بالمراحل وهو قريب من الأول ا هـ .

قال في النهاية : أي التقدير بثلاث مراحل قريب من التقدير بثلاثة أيام لأن المعتاد من السير في كل يوم مرحلة واحدة خصوصا في أقصر أيام السنة كذا في المبسوط ا هـ وكذا ما في الفتح من أنه قيل يقدر بواحد وعشرين فرسخا وقيل بثمانية عشر وقيل بخمسة عشر وكل من قدر منها اعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام ا هـ أي بناء على اختلاف البلدان فكل قائل قدر ما في بلده من أقصر الأيام أو بناء على اعتبار أقصر الأيام أو أطولها أو المعتدل منها وعلى كل فهو صريح بأن المراد بالأيام ما تقطع فيها المراحل المعتادة فافهم .

( قوله بل إلى الزوال ) فإن الزوال أكثر النهار الشرعي الذي هو من الفجر إلى الغروب وهو نصف النهار الفلكي الذي هو من الطلوع إلى الغروب ، ثم إن من الفجر إلى الزوال في أقصر أيام السنة في مصر وما ساواها في العرض سبع ساعات إلا ربعا فمجموع الثلاثة الأيام عشرون ساعة وربع ، ويختلف بحسب اختلاف البلدان في العرض ح .

قلت : ومجموع الثلاثة الأيام في دمشق عشرون ساعة إلا ثلث ساعة تقريبا لأن من الفجر إلى الزوال في أقصر الأيام عندنا ست ساعات وثلثا ساعة إلا درجة ونصفا ، وإن اعتبرت ذلك بالأيام المعتدلة كان مجموع الثلاثة أيام اثنين وعشرين ساعة ونصف ساعة تقريبا لأن من الفجر إلى الزوال سبع ساعات ونصفا تقريبا ( قوله ولا اعتبار بالفراسخ ) الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع على ما تقدم في باب التيمم ( قوله على المذهب ) لأن المذكور في ظاهر الرواية . اعتبار ثلاثة أيام كما في الحلية وقال في الهداية : هو الصحيح احترازا عن قول عامة المشايخ من تقديرها بالفراسخ . ثم اختلفوا فقيل : واحد وعشرون ، وقيل : ثمانية عشر ، وقيل : خمسة عشر والفتوى على الثاني لأنه الأوسط . وفي المجتبى فتوى أئمة خوارزم على الثالث . وجه الصحيح أن الفراسخ تختلف باختلاف الطريق في السهل والجبل والبر والبحر بخلاف المراحل معراج ( قوله باليسير الوسط ) أي سير الإبل ومشي الأقدام ويعتبر في الجبل بما يناسبه من السير لأنه يكون صعودا وهبوطا ومضيقا ووعرا فيكون مشي الإبل والأقدام فيه دون سيرهما في السهل . وفي البحر يعتبر اعتدال الريح على المفتى به إمداد فيعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه بدائع ، وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه لأنه أبطأ السير كما إن أسرعه سير الفرس والبريد بحر .

( قوله فوصل ) أي إلى مكان مسافته ثلاثة أيام بالسير المعتاد بحر . وظاهره أنه كذلك لو وصل إليه في زمن يسير بكرامة لكن استبعده في الفتح بانتفاء مظنة المشقة وهي العلة في القصر .

( قوله قصر في الأول ) أي ولو كان اختار السلوك فيه بلا غرض صحيح خلافا للشافعي كما في البدائع .

( قوله صلى الفرض الرباعي ) خبر من في قوله من خرج ، واحترز بالفرض عن السنن والوتر وبالرباعي عن الفجر والمغرب .

( قوله وجوبا ) فيكره الإتمام عندنا حتى روي عن أبي حنيفة أنه قال : من أتم الصلاة فقد أساء وخالف السنة شرح المنية ، وفيه تفصيل سيأتي فافهم ( قوله لقول ابن عباس إن الله فرض إلخ ) لفظ الحديث على ما في الفتح عن صحيح مسلم " { فرض الله [ ص: 124 ] الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة } " . ا هـ . وفيه وفي حديث عائشة في الصحيحين قالت " { فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر } " وفي لفظ البخاري قالت " { فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأول } " .

( قوله لأن الركعتين إلخ ) بدل من قوله ولذا عدل المصنف . قال في البحر : ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة والإكمال رخصة . قال في البدائع : وهذا التلقيب على أصلنا خطأ لأن الركعتين في حقه ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر والإكمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة ولأن الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي بعارض إلى تخفيف ويسر ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين ثم زيدت في حق المقيم كما روته عائشة رضي الله تعالى عنها ، وفي حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر فلم يكن ذلك رخصة في حقه أيضا ولو سمي فهو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة وهو التغيير انتهى .

( قوله لأنها وتر النهار ) إنما سميت بذلك لقربها من النهار بوقوعها عقبه وإلا فهي ليلية لا نهارية تأمل .

( قوله وبهذا تجتمع الأدلة ) أي فإن بعضها يدل على أن صلاة ركعتين في السفر أصل وبعضها على أن ذلك عارض فإذا حملت الأدلة على اختلاف الأزمان زال التعارض ، لكن لا يخفى أن ما نقله شراح البخاري من الجمع بما ذكر مبني على مذهب الشافعي من أنها قصر لا إتمام لأن العمل على ما استقر عليه الأمر وهو على هذا الجمع فرضيتها أربعا سفرا وحضرا ثم قصرها في السفر وهذا خلاف مذهبنا . وينافي هذا الجمع ما قدمناه من حديث عائشة المتفق عليه فإنه يدل على أن صلاة السفر لم يزد فيها أصلا . وأما الآية فالمراد بالقصر فيها قصر هيئة الصلاة وفعلها وقت الخوف كما أوضحه في شرح المنية وغيره فافهم .




الخدمات العلمية