الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 175 ] ( ويكره له قراءة توراة وإنجيل وزبور ) لأن الكل كلام الله وما بدل منها غير معين . وجزم العيني في شرح المجمع بالحرمة وخصها في النهر بما لم يبدل ( لا ) قراءة ( قنوت ) ولا أكله وشربه بعد غسل يد وفم ، ولا معاودة [ ص: 176 ] أهله قبل اغتساله إلا إذا احتلم لم يأت أهله . قال الحلبي : ظاهر الأحاديث إنما يفيد الندب لا نفي الجواز المفاد من كلامه . ( والتفسير كمصحف لا الكتب الشرعية ) فإنه رخص مسها باليد لا التفسير كما في الدرر عن مجمع الفتاوى . وفي السراج : المستحب أن لا يأخذ الكتب الشرعية بالكم أيضا تعظيما ، لكن في الأشباه من قاعدة : إذا اجتمع الحلال والحرام رجح الحرام . [ ص: 177 ] وقد جوز أصحابنا مس كتب التفسير للمحدث ، ولم يفصلوا بين كون الأكثر تفسيرا أو قرآنا ، ولو قيل به اعتبارا للغالب لكان حسنا قلت : لكنه يخالف ما مر فتدبر .

التالي السابق


( قوله : ويكره له إلخ ) الأولى لهم أي للجنب والحائض والنفساء . هذا ، وصحح في الخلاصة عدم الكراهة . قال في شرح المنية : لكن الصحيح الكراهة ; لأن ما بدل منه بعض غير معين وما لم يبدل غالب وهو واجب التعظيم والصون . وإذا اجتمع المحرم والمبيح غلب المحرم . وقال عليه الصلاة والسلام " { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } " وبهذا ظهر فساد قول من قال يجوز الاستنجاء بما في أيديهم من التوراة والإنجيل من الشافعية فإنه مجازفة عظيمة ; لأن الله تعالى لم يخبرنا بأنهم بدلوها عن آخرها وكونه منسوخا لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى كالآيات المنسوخة من القرآن . ا هـ . واختار سيدي عبد الغني ما في الخلاصة ، وأطال في تقريره ، ثم قال : وقد نهينا عن النظر في شيء منها سواء نقلها إلينا الكفار أو من أسلم منهم .

( قوله : بما لم يبدل ) أما ما علم أنه مبدل لو كتب وحده يجوز مسه كزعمهم أن من التوراة هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض . قال في شرح التحرير : وقد ذكر غير واحد أنه قيل أول من اختلقه لليهود ابن الراوندي ليعارض به دعوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

( قوله : لا قراءة قنوت ) هذا ظاهر المذهب . وعن محمد أنه يكره احتياطا ; لأن له شبهة القرآن لاختلاف الصحابة ; لأن أبيا جعله سورتين من القرآن من أوله إلى اللهم إياك نعبد سورة ، ومن هنا إلى آخره أخرى لكن الفتوى على ظاهر الرواية ; لأنه ليس بقرآن قطعا ويقينا بالإجماع فلا شبهة توجب الاحتياط المذكور ، نعم يستحب الوضوء لذكر الله تعالى وتمامه في الحلية .

( قوله : بعد غسل يد وفم ) أما قبله فلا ينبغي ; لأنه يصير شاربا للماء المستعمل وهو مكروه تنزيها ويده لا تخلو من النجاسة فينبغي غسلها ثم يأكل ، بدائع [ ص: 176 ] وفي الخزانة وإن ترك لا يضره . وفي الخانية لا بأس به . وفيها ، واختلف في الحائض ، قيل كالجنب ، وقيل لا يستحب لها ; لأن الغسل لا يزيل نجاسة الحيض عن الفم واليد ، وتمامه في الحلية .

( قوله : لم يأت أهله ) أي ما لم يغتسل لئلا يشاركه الشيطان كما أفاده ركن الإسلام . وفي البستان قال ابن المقنع ، يأتي الولد مجنونا أو بخيلا إسماعيل .

( قوله : قال الحلبي إلخ ) هو العلامة محمد بن أمير الحاج الحلبي شارح المنية والتحرير الأصولي .

( قوله : ظاهر الأحاديث إلخ ) يشعر بأنه وردت في الاحتلام أحاديث والحال أنا لم نقف فيه على حديث واحد . والذي ورد " { أنه صلى الله عليه وسلم دار على نسائه في غسل واحد } " وورد " { أنه طاف على نسائه واغتسل عند هذه وعند هذه } " فقلنا باستحبابه . وأما الاحتلام فلم يرد فيه شيء من القول والفعل ، على أنه من جهة الفعل محال ; لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه معصومون عنه ، غاية ما يقال إنه لما دل الدليل على استحباب الغسل لمن أراد المعاودة علم استحبابه للجنب إذا أراد ذلك سواء كانت الجنابة من الجماع أو الاحتلام . ا هـ . نوح أفندي وهو كلام حسن ، إلا أن عبارة الحلبي ليس فيها استدلال بالأحاديث على الندب ، وإنما نفي الدليل على الوجوب والشارح تابع صاحب البحر في عزو هذه العبارة إليه ، ونص عبارة الحلبي في الحلية بعد نقله جملة أحاديث : فيستفاد من هذه الأحاديث أن المعاودة من غير وضوء ولا غسل بين الجماعين أمر جائز ، وأن الأفضل أن يتخللها الغسل أو الوضوء ثم قال بعد نقله الفرع المذكور عن المبتغى بالغين المعجمة ، وهو قوله إلا إذا احتلم لم يأت أهله ، هذا إن لم يحمل على الندب غريب ثم لا دليل فيما يظهر يدل على الحرمة . ا هـ .

( قوله : من كلامه ) أي كلام المبتغى وليس في عبارة الشارح ما يرجع إليه هذا الضمير .

( قوله : والتفسير كمصحف ) ظاهرة حرمة المس كما هو مقتضى التشبيه وفيه نظر ، إذ لا نص فيه بخلاف المصحف ، فالمناسب التعبير بالكراهة كما عبر غيره .

( قوله : لا الكتب الشرعية ) قال في الخلاصة : ويكره مس المحدث المصحف كما يكره للجنب ، وكذا كتب الأحاديث والفقه عندهما . والأصح أنه لا يكره عنده . ا هـ . قال في شرح المنية : وجه قوله إنه لا يسمى ماسا للقرآن ; لأن ما فيها منه بمنزلة التابع ا هـ ومشى في الفتح على الكراهة فقال : قالوا : يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن ; لأنها لا تخلو عن آيات القرآن ، وهذا التعليل يمنع من شروح النحو . ا هـ .

( قوله : لكن في الأشباه إلخ ) استدراك على قوله والتفسير كمصحف ، فإن ما في الأشباه صريح في جواز مس التفسير ، فهو كسائر الكتب الشرعية ، بل ظاهره أنه قول أصحابنا جميعا ، وقد صرح بجوازه أيضا في شرح درر البحار . وفي السراج عن الإيضاح أن كتب التفسير لا يجوز مس موضع القرآن منها ، وله أن يمس غيره وكذا كتب الفقه إذا كان فيها شيء من القرآن ، بخلاف المصحف فإن الكل فيه تبع للقرآن . ا هـ . والحاصل أنه لا فرق بين التفسير وغيره من الكتب الشرعية على القول بالكراهة وعدمه ، ولهذا قال في النهر : ولا يخفى أن مقتضى ما في الخلاصة عدم الكراهة مطلقا ; لأن من أثبتها حتى في التفسير نظر إلى ما فيها من الآيات ، ومن نفاها نظر إلى أن الأكثر ليس كذلك ، وهذا يعم التفسير أيضا ، إلا أن يقال إن القرآن فيه أكثر من غيره ا هـ [ ص: 177 ] أي فيكره مسه دون غيره من الكتب الشرعية ، كما جرى عليه المصنف تبعا للدرر ، ومشى عليه في الحاوي القدسي وكذا في المعراج والتحفة فتلخص في المسألة ثلاثة أقوال - قال ط : وما في السراج أوفق بالقواعد . ا هـ . أقول : الأظهر والأحوط القول الثالث : أي كراهته في التفسير دون غيره لظهور الفرق ، فإن القرآن في التفسير أكثر منه فيغيره ، وذكره فيه مقصود استقلالا لا تبعا ، فشبهه بالمصحف أقرب من شبهه ببقية الكتب . والظاهر أن الخلاف في التفسير الذي كتب فيه القرآن بخلاف غيره كبعض نسخ الكشاف تأمل .

( قوله : ولو قيل به ) أي بهذا التفصيل ، بأن يقال إن كان التفسير أكثر لا يكره ، وإن كان القرآن أكثر يكره . والأولى إلحاق المساواة بالثاني ، وهذا التفصيل ربما يشير إليه ما ذكرناه عن النهر ، وبه يحصل التوفيق بين القولين .

( قوله : قلت لكنه إلخ ) استدراك على قوله ولو قيل به إلخ . وحاصله : أن ما مر في المتن مطلق ، فتقييد الكراهة بما إذا كان القرآن أكثر مخالف له ، ولا يخفى أن هذا الاستدراك غير الأول ; لأن الأول كان على كراهة مس التفسير وهذا على تقييد الكراهة فافهم .

( قوله : فتدبر ) لعله يشير به إلى أنه يمكن ادعاء تقييد إطلاق المتن بما إذا لم يكن التفسير أكثر ، فلا ينافي دعوى التفصيل .




الخدمات العلمية