الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وصلاة الليل [ ص: 25 ] وأقلها على ما في الجوهرة ثمان ، ولو جعله أثلاثا فالأوسط أفضل ، ولو أنصافا فالأخير أفضل .

التالي السابق


مطلب في صلاة الليل .

( قوله وصلاة الليل ) أقول : هي أفضل من صلاة النهار كما في الجوهرة ونور الإيضاح ، وقد صرحت الآيات والأحاديث بفضلها والحث عليها . قال في البحر : فمنها ما في صحيح مسلم مرفوعا { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } " وروى الطبراني مرفوعا { لا بد من صلاة الليل ولو حلب شاة ، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل } " وهذا يفيد أن هذه السنة تحصل بالتنفل بعد صلاة العشاء قبل النوم . ا هـ .

قلت : قد صرح بذلك في الحلية ، ثم قال فيها بعد كلام : ثم غير خاف أن صلاة الليل المحثوث عليها هي التهجد . وقد ذكر القاضي حسين من الشافعية أنه في الاصطلاح التطوع بعد النوم ، وأيد بما في معجم الطبراني من حديث الحجاج بن عمرو رضي الله عنه قال { يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد ، إنما التهجد المرء يصلي الصلاة بعد رقدة } " غير أن في سنده ابن لهيعة وفيه مقال ، لكن الظاهر رجحان حديث الطبراني الأول لأنه تشريع قولي من الشارع صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا ، وبه ينتفي ما عن أحمد من قوله قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر ا هـ ملخصا .

أقول : الظاهر أن حديث الطبراني الأول بيان لكون وقته بعد صلاة العشاء ، حتى لو نام ثم تطوع قبلها لا يحصل السنة ، فيكون حديث الطبراني الثاني مفسرا للأول ، وهو أولى من إثبات التعارض والترجيح لأن فيه ترك العمل بأحدهما ولأنه يكون جاريا على الاصطلاح ولأنه المفهوم من إطلاق الآيات والأحاديث ولأن التهجد إزالة النوم بتكلف مثل : تأثم أي تحفظ عن الإثم ; نعم صلاة الليل وقيام الليل أعم من التهجد ، وبه يجاب عما أورد على قول الإمام أحمد هذا ما ظهر لي ، والله أعلم .

[ تنبيه ] ظاهر ما مر أن التهجد لا يحصل إلا بالتطوع ; فلو نام بعد صلاة العشاء ثم قام فصلى فوائت لا يسمى تهجدا وتردد فيه بعض الشافعية .

قلت : والظاهر أن تقييده بالتطوع بناء على الغالب وأنه يحصل بأي صلاة كانت لقوله في الحديث المار { وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل } " ثم اعلم أن ذكره صلاة الليل من المندوبات مشى عليه في الحاوي القدسي . وقد تردد المحقق في فتح القدير في كونه سنة أو مندوبا ، لأن الأدلة القولية تفيد الندب ; والمواظبة الفعلية تفيد السنية لأنه صلى الله عليه وسلم إذا واظب على تطوع يصير سنة ; لكن هذا بناء على أنه كان تطوعا في حقه ، وهو قول طائفة . وقالت طائفة : كان فرضا عليه فلا تفيد مواظبته عليه السنية في حقنا لكن صريح ما في مسلم وغيره عن عائشة أنه كان فريضة ثم نسخ ، هذا خلاصة ما ذكره " ومفاده اعتماد السنية في حقنا لأنه [ ص: 25 ] صلى الله عليه وسلم واظب عليه بعد نسخ الفرضية ، ولذا قال في الحلية : والأشبه أنه سنة ( قوله وأقلها على ما في الجوهرة ثمان ) قيد بقوله على ما في الجوهرة لأنه في الحاوي القدسي قال : يصلي ما سهل عليه ولو ركعتين والسنة فيها ثماني ركعات بأربع تسليمات ا هـ والتقييد بأربع تسليمات مبني على قول الصاحبين ، وأما على قول الإمام فلا كما ذكره في الحلية ، وقال فيها أيضا ، وهذا بناء على { أن أقل تهجده صلى الله عليه وسلم كان ركعتين ، وأن منتهاه كان ثماني ركعات } أخذا مما في مبسوط السرخسي . ثم ساق تبعا لشيخه المحقق ابن الهمام الأحاديث الدالة على ما عينه في المبسوط من منتهاه ، وحديث أبي داود الدال على أن { أقل تهجده صلى الله عليه وسلم أربع سوى ثلاث الوتر } ، وتمام ذلك فيها فراجعها ، لكن ذكر آخرا عنه صلى الله عليه وسلم { من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات } " رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم ، وقال المنذري صحيح على شرط الشيخين . ا هـ .

أقول : فينبغي القول بأن أقل التهجد ركعتان وأوسطه أربع وأكثره ثمان ، والله أعلم .

( قوله ولو جعله أثلاثا إلخ ) أي لو أراد أن يقوم ثلثه وينام ثلثيه فالثلث الأوسط أفضل من طرفيه لأن الغفلة فيه أتم والعبادة فيه أثقل ولو أراد أن يقوم نصفه وينام نصفه فقيام نصفه الأخير أفضل لقلة المعاصي فيه غالبا وللحديث الصحيح { ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له } " ومعنى ينزل ربنا ينزل أمره كما أوله به الخلف وبعض أكابر السلف ، وتمامه في تحفة ابن حجر ، وذكر أن الأفضل من الثلث الأوسط السدس الرابع والخامس للخبر المتفق عليه { أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه } " . ا هـ . وبه جزم في الحلية .

[ تتمة ]

ذكر في الحلية أيضا ما حاصله : أنه يكره ترك تهجد اعتاده بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر { يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه } " متفق عليه ، فينبغي للمكلف الأخذ من العمل بما يطيقه كما ثبت في الصحيحين ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم { أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل } " رواه الشيخان وغيرهما .




الخدمات العلمية