الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 299 ] باب زيارة القبور وإهداء القرب وما يتعلق بذلك .

                                                                                                          يستحب للرجال زيارة القبور ، نص عليه ( و ) وذكره بعضهم ( ع ) لأمر الشارع به ، وإن كان بعد حظر ، لأنه عليه السلام علله بتذكر الموت والآخرة ، ونقل أبو طالب أن رجلا سأل أحمد : كيف يرق قلبي ؟ قال : ادخل المقبرة ، امسح رأس يتيم .

                                                                                                          وعنه : لا بأس ، ومثله كلام الخرقي وغير واحد وأخذ غير واحد من كلام الخرقي الإباحة ، وسأله أبو داود عن زيارتها للنساء ، قال : لا ، قلت : فالرجل أيسر ؟ قال نعم .

                                                                                                          وفي الرعاية : يكره الإكثار ، ويكره للمرأة ، وعنه : لا ; لأن عائشة زارت وقالت : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارتها ثم أمر } ، رواه الأثرم ، واحتج به أحمد ، وعنه : يحرم ، كما لو علمت أنه يقع منها محرم ، ذكره صاحب المحرر مع تأثيمه بظن وقوع النوح ، ولا فرق ، ولم يحرم هو وغيره دخول الحمام إلا مع العلم بالمحرم ، وأما الجموع للزيارة كما هي معتادة فبدعة .

                                                                                                          وقال ابن عقيل : أبرأ إلى الله منه ، وكلامه في آداب القراءة : من الآداب الشرعية ، قال صاحب المحرر وغيره : تجوز زيارة قبر المشرك والوقوف ، لزيارته عليه السلام قبر أمه ، وكان بعد الفتح ، ونزل قوله تعالى { ولا تقم على قبره } بسبب عبد الله بن أبي في آخر التاسعة ، لكن المراد عند أكثر المفسرين القيام للدعاء والاستغفار .

                                                                                                          وقال شيخنا : تجوز زيارته للاعتبار ، وقال : ولا يمنع الكافر زيارة قريبه المسلم ، ويقف الزائر أمام القبر ، وعنه : حيث شاء ، وعنه : قعوده كقيامه ، وذكره [ ص: 300 ] أبو المعالي ، وينبغي أن يقرب منه ، كزيارته حيا ، ذكره في الوسيلة والتلخيص ، ويجوز لمس القبر باليد ، وعنه : يكره ; لأن القرب يتلقى من التوقيف ، ولم يرد به سنة ; ولأنه عادة أهل الكتاب ، وعن الشافعية كهذا ، وعن الحنفية مثله والذي قبله ، وعنه : يستحب ، صححها أبو الحسين في التمام ، لأنه يشبه مصافحة الحي ، لا سيما ممن ترجى بركته .

                                                                                                          وفي الوسيلة : هل يستحب عند فراغ دفنه وضع يده عليه وجلوسه على جانبيه ؟ فيه روايتان ، ويستحب إذا زارها أو مر بها أن يقول : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين أو أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم " وفي ذلك أن اسم ،

                                                                                                          الدار يقع على المقابر ، وإطلاق الأهل على ساكني المكان من حي وميت .

                                                                                                          ودعا عليه السلام لأهل البقيع فقال : { اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد } سمي به لغرقد كان فيه وهو ما عظم من العوسج ، وقيل : كل شجر له شوك ، قال جماعة : السلام هنا معرف ، ونص عليه أحمد ، لأنه أشهر في الإخبار ، ورواه مسلم من رواية أبي هريرة وبريدة ، والتنكير في طرق لأحمد من رواية أبي هريرة وعائشة ، وذكر جماعة تنكيره ، ونص عليه ، وخيره صاحب المحرر وغيره ، وذكره بعضهم نصا ، وكذا السلام على الأحياء ، على ما ذكره غير واحد ، وعنه : تعريفه أفضل ، قال صاحب النظم : كالرد ، وقيل : تنكيره ، قاله ابن عقيل ; لأنه روي عن عائشة .

                                                                                                          وقال [ ص: 301 ] ابن البنا : سلام التحية منكر وسلام الوداع معرف ، وإنما قال عليه السلام : { عليك السلام تحية الموتى } على عاداتهم في تحية الأموات يقدمون اسم الميت على الدعاء ، ذكره صاحب المحرر ، وفعلوا ذلك لأن المسلم على قوم يتوقع جوابا والميت لا يتوقع منه ، فجعلوا السلام عليه كالجواب ، وهذا في الدعاء بالخير والمدح ، ويقدم الضمير في الشر والذم كقوله تعالى { عليهم دائرة السوء } { وإن عليك لعنتي } وفي الصحيح أن ابن عمر مر بابن الزبير وهو مقتول فقال : السلام عليك أبا خبيب ، وكرره ثلاثا ، فدل أنه كالسلام على الحي وأن الأول أفضل ، وفيه السلام على من لم يدفن ، وورد تكراره في الحي في المتهاجرين وفي سلام ابن جابر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي .

                                                                                                          ويسمع الميت الكلام ، ولأحمد من حديث سفيان عمن سمع أنسا عنه مرفوعا { إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا ، وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا } ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر مرفوعا ، وهو ضعيف ، قال أحمد : يعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس : وفي الغنية : يعرفه كل وقت ، وهذا الوقت آكد ، وأطلق [ ص: 302 ] أبو محمد البربهاري من متقدمي أصحابنا أنه يعرفه .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون : الذي يوجبه القرآن والنظر أن الميت لا يسمع ولا يحس ، قال تعالى { وما أنت بمسمع من في القبور } ومعلوم أن آلات الحس قد فقدت ، وأجاب عن خلاف هذا برد الأرواح ، والتعذيب عنده وعند ابن عقيل على الروح فقط ، وعند القاضي يعذب البدن أيضا وأن الله يخلق فيه إدراكا .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي أيضا : ومن الجائز أن يجعل البدن معلقا بالروح فيعذب في القبر .

                                                                                                          وفي الإفصاح في حديث بريدة في السلام على أهل المقابر قال : فيه وجوب الإيمان بأن الموتى يسمعون سلام المسلم عليهم ، وأنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر بالسلام على قوم لا يسمعون ، قال شيخنا : استفاضت الآثار بمعرفته بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا ، وأن ذلك يعرض عليه ، وجاءت الآثار بأنه يرى أيضا وبأنه يدري بما يفعل عنده ، ويسر بما كان حسنا ، ويتألم بما كان قبيحا ، وكان أبو الدرداء يقول : اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة ، وهو ابن عمه ، ولما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه وتقول : إنما كان أبي وزوجي ، وأما عمر فأجنبي ، تعني أنه يراها .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية