الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4156 410 - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا، وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ، ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان، قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع، ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله، حبسه برداه [ ص: 49 ] ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كعب بن مالك فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت: بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت: من هما؟ قالوا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا، ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس [ ص: 50 ] مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها، ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال: لا، ولكن لا يقربك قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة يقولون لتهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني [ ص: 51 ] والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال: قلت أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله وكونوا مع الصادقين فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إلى قوله فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين قال كعب وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة أظهر ما يكون، وقد أخرج البخاري غزوة تبوك وتوبة الله على كعب بن مالك في عشرة مواضع مطولا ومختصرا في الوصايا، وفي الجهاد، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي وفود الأنصار، وفي موضعين من المغازي، وفي موضعين من التفسير، وفي الاستئذان، وفي الأحكام، وأخرجه مسلم في التوبة عن أبي الطاهر بطوله، وعن محمد بن رافع، وأخرجه أبو داود في الطلاق عن أبي الطاهر، وسليمان بن داود، وأخرجه النسائي فيه عن سليمان، وغيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب) كذا وقع عند الأكثرين، ووقع عند الزهري في بعض هذا الحديث رواية عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وهو عم عبد الرحمن بن عبد الله الذي حدث به عنه هنا، وفي رواية عن عبد الله بن كعب نفسه، قال أحمد بن صالح فيما أخرجه ابن مردويه: كأن الزهري سمع هذا القدر من عبد الله بن كعب نفسه، وسمع الحديث بطوله من ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وعنه أيضا في رواية عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بالتصغير، ووقع عند ابن جرير من طريق يونس عن الزهري في أول الحديث بغير إسناد، قال الزهري: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك" الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكان قائد كعب من بنيه) بفتح الباء الموحدة، وكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ووقع في رواية القابسي، وكذا لابن السكن في الجهاد من بيته بفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف بعدها تاء مثناة [ ص: 52 ] من فوق.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حين تخلف) مفعول به لا مفعول فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (عن قصة) يتعلق بقوله يحدث.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يعاتب أحدا) أي لم يعاتب الله أحدا، ويروى لم يعاتب على صيغة المجهول، وأحد بالرفع.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تخلف عنها) أي عن غزوة بدر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (عير قريش) بكسر العين المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وهي الإبل التي تحمل الميرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ليلة العقبة) وهي التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الأنصار على الإسلام، والإيواء والنصر، وذلك قبل الهجرة، والعقبة هي التي في طرف منى التي تضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين، كانوا في السنة الأولى اثني عشر، وفي الثانية سبعين كلهم من الأنصار.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حين تواثقنا) أي تعاهدنا وتعاقدنا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وما أحب أن لي بها مشهد بدر) أي أن لي بدلها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وإن كانت بدر) أي غزوة بدر أذكر أي أعظم ذكرا في الناس أي بين الناس، وفي رواية مسلم عن يونس عن ابن شهاب "وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها" ولفظ أذكر على وزن أفعل التفضيل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أقوى ولا أيسر) وزاد مسلم لفظة مني.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلا ورى) بفتح الواو، وتشديد الراء أي أوهم بغيرها، وهو من التورية، وهي أن يذكر لفظ يحتمل معنيين (أحدهما) أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب، وهو يريد البعيد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فجلى) بفتح الجيم، وتشديد اللام أي كشف وأوضح، ويجوز بتخفيف اللام أيضا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أهبة) الأهبة بضم الهمزة تجهيز ما يحتاجون إليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (غزوهم) ويروى عدوهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير) وقد ذكرنا عن قريب أنه كان معه أربعون ألفا، وقيل: سبعون ألفا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا يجمعهم كتاب حافظ) بالتنوين فيهما، وفي رواية مسلم بالإضافة، وزاد في رواية مغفل "يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان حافظ".

                                                                                                                                                                                  قوله: (يريد الديوان) من كلام الزهري، وأراد به أن المراد من قوله: (كتاب حافظ) هو الديوان، وهو الكتاب الذي يجمع فيه الحساب، وهو بكسر الدال، وقيل: بفتحها أيضا، وهو معرب، وقيل: عربي.

                                                                                                                                                                                  قوله (قال كعب) هو موصول بالإسناد المذكور.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فما رجل) وفي رواية مسلم: قل رجل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلا ظن أنه سيخفى) وفي رواية الكشميهني "أن سيخفى" بتخفيف نون أن بلا هاء، وفي رواية مسلم "أن ذلك سيخفى له".

                                                                                                                                                                                  قوله: (فطفقت أغدو) بالطاء، وبالفاء، والقاف، وهو من أفعال المقاربة معناه أخذت في الفعل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى اشتد بالناس الجد) بكسر الجيم، وهو الجهد في الشيء، والمبالغة فيه، وقال ابن التين: وضبط في بعض الكتب برفع الناس على أنه فاعل، ويكون الجد منصوبا بإسقاط الخافض أو هو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجد، وعند ابن السكن: "اشتد بالناس الجد" برفع الجد، وزيادة الباء الموحدة في الناس، وهو رواية أحمد، ومسلم، وفي رواية ابن مردويه: "حتى شمر الناس الجد".

                                                                                                                                                                                  قوله: (من جهازي) بفتح الجيم، وكسرها، وهو الأهبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى أسرعوا) من الإسراع، وفي رواية الكشميهني "حتى شرعوا" بالشين المعجمة من الشروع، قيل: هو تصحيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وتفارط الغزو) أي فات وسبق من الفرط وهو السبق، وفي رواية ابن أبي شيبة: "حتى أمعن القوم وأسرعوا".

                                                                                                                                                                                  قوله: (وليتني فعلت) فيه تمني ما فات فعله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (مغموصا) بالغين المعجمة، والصاد المهملة أي مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق، وقيل: "معناه مستحقرا" تقول غمصت فلانا إذا استحقرته، وكذلك أغمصته.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى بلغ تبوك) بغير صرف للعلمية والتأنيث، كذا هو في رواية الأكثرين، ويروى تبوكا بالصرف على إرادة المكان أو الموضع.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من بني سلمة) بكسر اللام، وفي رواية معمر "من قومي" وهو عبد الله بن أنيس كذا قاله الواقدي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حبسه برداه) تثنية برد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والنظر) أي وحبسه النظر في عطفيه بكسر العين المهملة أي جانبيه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه، وقيل: كنى بذلك عن حسنه وبهجته، والعرب تصف الرداء بصفة الحسن، وتسميه عطفا لوقوعه على عطفي الرجل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلما بلغني أنه) أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا في رواية مسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قافلا) أي راجعا من سفره إلى المدينة، وقال ابن سعد: كان قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة في رمضان.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حضرني همي) هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره حضرني هم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قد أظل قادما) أي قد دنا قدومه إلى المدينة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (زاح) بالزاي وبالحاء المهملة أي زال.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأجمعت صدقه) أي جزمت بذلك، وعقدت عليه قصدي، وفي رواية ابن أبي شيبة: "وعزمت أنه لا ينجيني إلا الصدق".

                                                                                                                                                                                  قوله: (المخلفون) أي الذين تأخروا عن الذهاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله (فطفقوا) أي أخذوا يعتذرون أي يظهرون العذر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكانوا بضعة وثمانين) وقد مر غير مرة أن البضعة في العدد ما بين الثلاثة إلى [ ص: 53 ] التسعة، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة، وهو بكسر الباء، وحكي الفتح أيضا، وذكر الواقدي أن هذا العدد كان من منافقي الأنصار، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من بني غفار، وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء، وكانوا عددا كثيرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (علانيتهم) أي ظاهرهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تبسم المغضب) أي كتبسم المغضب بفتح الضاد، وفي (مغازي ابن عائذ) فأعرض عنه فقال: يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت، ولا ارتبت، ولا بدلت، قال: فما خلفك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ابتعت ظهرك) أي اشتريت راحلتك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أعطيت) على صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  قوله: (جدلا) أي فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما ينتسب إلي مما يقبل ولا يرد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ليوشكن الله) أي ليعجلن الله علي بسخط منك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تجد) بكسر الجيم أي تغضب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وثار رجال) أي وثبوا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قد كان كافيك ذنبك) أي من ذنبك، وحذفت كلمة من.

                                                                                                                                                                                  قوله: (استغفار) بالرفع لأنه مرفوع بقوله "كافيك" لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يؤنبوني) ويروى يؤنبونني من التأنيب، وهو اللوم العنيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (مرارة) بضم الميم، وتخفيف الراءين ابن الربيع، ويقال ابن ربيعة العمري نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وقال الكرماني: وفي بعض الروايات: العامري، وأنكره العلماء، وقالوا: صوابه العمري.

                                                                                                                                                                                  قلت: لأنه كان من بني عمرو بن عوف شهد بدرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وهلال بن أمية الأنصاري) الواقفي من بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس شهد بدرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إسوة) بكسر الهمزة، وضمها، وقال ابن التين: التأسي بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة، قال الله تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم الآية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أيها الثلاثة) بالرفع، وهو في موضع نصب على الاختصاص أي متخصصين بذلك دون بقية الناس.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فاجتنبنا الناس) بفتح الباء الموحدة بعدها نون المتكلم، وهي جملة من الفعل والمفعول، وقوله: (الناس) بالرفع فاعله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تنكرت) أي تغيرت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فما هي التي أعرف) أي تغير كل شيء علي حتى الأرض فإنها توحشت، وصارت كأنها أرض لم أعرفها لتوحشها علي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وأطوف) أي أدور.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأسارقه النظر) بالقاف أي أنظر إليه في خفية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من جفوة الناس) بفتح الجيم، وسكون الفاء أي من جفائهم وإعراضهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى تسورت) أي صعدت على سور الدار.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حائط أبي قتادة) الحائط البستان، وأبو قتادة بفتح القاف اسمه الحارث بن ربعي بكسر الراء، وسكون الباء الموحدة، وبالعين المهملة ابن بلذمة الأنصاري السلمي الخزرجي من بني غنم بن كعب بن سلمة بن تزيد بن جشم بن الخزرج هكذا يقول ابن شهاب وجماعة أهل الحديث أن اسم أبي قتادة الحارث بن ربعي، قال ابن إسحاق: وأهله يقولون اسمه النعمان بن عمرو بن بلذمة. قال أبو عمر: يقولون: بلذمة بالفتح، وبلذمة بالضم، وبلذمة بالذال المنقوطة والضم أيضا، توفي بالكوفة في خلافة علي رضي الله تعالى عنه، وصلى هو عليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ما رد علي السلام) لعموم النهي عن كلامهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وهو ابن عمي) قيل: إنما قال: إنه ابن عمي لكونهما معا من بني سلمة، وليس هو ابن عمه أخي أبيه، وقال الكرماني: وليس هو ابن عمه بل ابن عم جد جده.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أنشدك) بفتح الهمزة، وضم الشين المعجمة أي أسألك بالله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (الله ورسوله أعلم) وليس تكليما لكعب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى تسورت الجدار) أي للخروج من الحائط، وفي رواية معمر: فلم أملك نفسي أن بكيت ثم اقتحمت الحائط خارجا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إذا نبطي) كلمة إذا للمفاجأة، والنبطي بفتح النون والباء الموحدة الفلاح، سمي بالنبطي لأن اشتقاقه من استنباط الماء واستخراجه، والأنباط كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، وهذا النبطي كان نصرانيا شاميا، وقيل: النبطي منسوب إلى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة، وتشديد السين المهملة، وهو من جملة ملوك اليمن سكنوا الشام، قيل: هو جبلة بن الأيهم نص عليه ابن عائذ، وعن الواقدي أنه الحارث بن أبي بشر، وقيل: جندب بن الأيهم، وفي رواية ابن مردويه: فكتب إلي كتابا في سرقة من حرير.

                                                                                                                                                                                  قوله: (هوان) أي ذل وصغار.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا مضيعة) بفتح الميم، وسكون الضاد المعجمة وكسرها أيضا لغتان أي حيث يضيع حقك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (نواسك) بضم النون، وكسر السين المهملة من المواساة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فتيممت بها التنور) أي قصدت بها أي بالكتاب الذي أرسله ملك غسان، وإنما أنث الضمير باعتبار الصحيفة، والتنور معروف، وهو ما يخبز فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: فسجرته [ ص: 54 ] أي فسجرت التنور أي أوقدته بها أي بالكتاب الذي هو الصحيفة، وهذا الصنيع من كعب يدل على قوة إيمانه، ومحبته لله ورسوله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) كلمة إذا للمفاجأة، وعن الواقدي أن هذا الرسول هو خزيمة بن ثابت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أن تعتزل امرأتك) اسمها عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة عبد الله، وعبيد الله، ومعبد، ويقال اسم امرأته التي كانت عنده يومئذ خيرة بالخاء المعجمة المفتوحة، وسكون الياء آخر الحروف، وقالالذهبي: عميرة بنت جبير صلت القبلتين، وهي زوجة كعب بن مالك، وقال أيضا: خيرة امرأة كعب بن مالك لها حديث غريب في (كتاب الوجدان) لابن أبي عاصم، وقال أبو عمر : خيرة امرأة كعب بن مالك الشاعر ويقال حيرة بالحاء المهملة، حديثها عند الليث بن سعد من رواية ابن وهب وغيره بإسناد ضعيف لا يقوم به حجة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لا يجوز لامرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها .

                                                                                                                                                                                  قوله: (الحقي بأهلك) هذا اللفظ من الكنايات، ومحلها في الفروع.

                                                                                                                                                                                  قوله: فجاءت امرأة هلال بن أمية هي خولة بنت عاصم، وقال الذهبي: هي التي لاعنها هلال ففرق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بينهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال لي بعض أهلي" استشكل هذا مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عبر عن الإشارة بالقول، وقيل: لعله من النساء؛ لأن النهي لم يقع عن كلام النساء اللاتي في بيوتهم، وقيل: كان الذي كلمه منافقا، وقيل: كان ممن يخدمه، ولم يدخل في النهي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى كملت) بضم الميم، وفتحها، وكسرها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (على الحالة التي ذكر الله تعالى) وهو في قوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت الآية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (على جبل سلع) بفتح السين المهملة، وسكون اللام، وهو جبل معروف بالمدينة، وفي رواية معمر "من ذروة سلع" أي أعلاه. قال الواقدي: الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يا كعب بن مالك أبشر) من البشارة، وفي رواية عمر بن كثير عند أحمد عن كعب: "إذ سمعت رجلا على الثنية يقول: "كعب كعب حتى دنا مني فقال: بشروا كعبا".

                                                                                                                                                                                  قوله: (فخررت) أي أسقطت نفسي على الأرض حال كوني ساجدا، وفيه مشروعية سجدة الشكر، وكرهها أبو حنيفة، ومالك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وآذن) أي أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وذهب قبل صاحبي) بكسر القاف، وفتح الباء الموحدة أي جهة صاحبي بفتح الباء الموحدة، وتشديد الياء، تثنية صاحب، وهما هلال ومرارة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (مبشرون) فاعل ذهب جمع مبشر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وركض إلي رجل فرسا) وهو الزبير بن العوام، وقيل: حمزة بن عمرو، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وسعى ساع) هو حمزة بن عمرو رواه الواقدي، وقال أبو عمر: حمزة بن عمرو الأسلمي من ولد أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر يكنى أبا حاتم، ويعد في أهل الحجاز مات سنة إحدى وستين، وهو ابن ثمانين سنة روى عنه أهل المدينة، وكان يسرد الصوم، وعند ابن عائذ: إن اللذين سعيا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، لكنه صدره بقوله: زعموا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فأوفى على الجبل) أي ارتفع وأشرف، وقال الواقدي: الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، وكان الذي بشر مرارة بتوبته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلما جاءني الذي سمعت صوته) هو حمزة بن عمرو الأسلمي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والله ما أملك غيرهما يومئذ) يعني من جنس الثياب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فوجا فوجا) أي جماعة جماعة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (واستعرت ثوبين) استعارهما من أبي قتادة قاله الواقدي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لتهنك) بكسر النون، وزعم ابن التين أنه بفتحها قال: لأنه من يهنأ بالفتح.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا أنساها لطلحة) وهو طلحة بن عبيد الله المذكور، وهو أحد العشرة المبشرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أبشر بخير يوم مر عليك) فإن قلت: يوم إسلامه خير أيامه.

                                                                                                                                                                                  قلت: قال الكرماني: المراد به سوى يوم إسلامه، ولظهوره تركه، وقيل: يوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه، فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قال: لا) أي ليس من عندي بل من عند الله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إذا سر) على صيغة المجهول أي إذا حصل له السرور استنار وجهه أي تنور.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى كأنه قطعة قمر).

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: لم لم يقل كأنه قمر فما الحكمة في تقييده بالقطعة؟

                                                                                                                                                                                  قلت: قيل: للاحتراز من قطعة السواد التي في القمر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكنا نعرف ذلك منه) وفي رواية الكشميهني "فيه" وذلك إشارة إلى ما كان يحصل له من استنارة وجهه عند السرور.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أن أنخلع) أي أن أخرج من مالي بالكلية.

                                                                                                                                                                                  قوله: (صدقة) بالنصب أي [ ص: 55 ] لأجل التصدق، ويجوز أن يكون حالا بمعنى متصدقا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلى الله) كلمة إلى بمعنى اللام أي صدقة خالصة لله تعالى ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أمسك عليك بعض مالك) إنما أمره بذلك؛ خوفا من تضرره بالفقر، وعدم صبره على الفاقة، ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بجميع ماله؛ لأنه كان صابرا راضيا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أبلاه الله) أي أنعم عليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أن لا أكون) بدل من قوله: "من صدقي" أي ما أنعم أعظم من عدم كذبي ثم عدم هلاكي.

                                                                                                                                                                                  قال النووي رحمه الله: قالوا: لفظة "لا" زائدة، ومعناه: "أن أكون كذبته" نحو ما منعك أن لا تسجد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فأهلك" بالنصب أي فإن أهلك بكسر اللام وفتحها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كما هلك الذين) أي كهلاك الذين كذبوا.

                                                                                                                                                                                  قوله: للذين أي لأجل الذين كذبوا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (شر ما قال لأحد) أي قال قولا شر ما قال بالإضافة أي شر القول الكائن لأحد من الناس ثم بين ذلك بقوله فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم ولا تؤنبوهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين الذين تخلفوا بقوله إنهم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عنهم، ولا تؤنبوهم، فأعرضوا عنهم إنهم رجس أي خبثاء، نجس بواطنهم، واعتقاداتهم، ومأواهم في آخرتهم جهنم "جزاء" أي لأجل الجزاء "بما كانوا يكسبون" من الآثام والخطايا، ثم أخبر عنهم بأنهم يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين أي الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفسق هو الخروج، ومنه سميت الفأرة فويسقة؛ لخروجها من جحرها، ويقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وكنا تخلفنا) وفي مسلم "خلفنا".

                                                                                                                                                                                  قوله: (وأرجأ) أي أخر من الإرجاء بالهمزة في آخره، وحاصل معنى قول كعب أنه فسر قوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا أي أخروا حتى تاب الله عليهم، وليس المراد أنهم خلفوا عن الغزو، وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا قال: خلفوا عن التوبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (مما خلفنا) على صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  قوله: (عن الغزو) أي غزوة تبوك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وإنما هو تخليفه) أي تخليف الله إيانا أي تأخيره إيانا أي تأخيره أمرنا عن أمر من حلف له واعتذر إليه فقبل منه اعتذاره، وحلفه، فغفر له.

                                                                                                                                                                                  فوائد الحديث المذكور أكثر من خمسين فائدة:

                                                                                                                                                                                  فيه جواز طلب أموال الكفار دون الحرب، وفيه جواز الغزو في الشهر الحرام، والتصريح بجهة الغزو إذا لم تقتض المصلحة ستره، وأن الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم عموما لغزوة تبوك فغضبه على من تخلف ظاهر، وإن لم يستنفرهم عموما فالجهاد فرض كفاية فما وجه غضبه على المخلفين؟

                                                                                                                                                                                  قلت: كان الجهاد فرض عين في حق الأنصار؛ لأنهم بايعوه على ذلك فغضبه على المتخلفين كان في محله.

                                                                                                                                                                                  وفيه إباحة الغنيمة لهذه الأمة؛ إذ قال: يريدون عير قريش، وفيه فضيلة أهل بدر والعقبة، والمتابعة مع الإمام، وجواز الحلف من غير استحلاف، والتأسف على ما فاته من الخبر، وهجران أهل البدعة، وأن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه وترك قربان الزوجة، واستحباب صلاة القادم، ودخوله المسجد أولا، وتوجه الناس إليه عند قدومه، والحكم بالظاهر، وقبول المعاذير، واستحباب البكاء على نفسه، ومسارقة النظر في الصلاة لا تبطلها، وفضيلة الصدق، وأن السلام ورده كلام، وجواز دخوله في بستان صديقه بلا إذنه، وأن الكناية لا يقع بها الطلاق ما لم ينوه، وإيثار طاعة الله ورسوله على مودة القريب، وخدمة المرأة لزوجها، والاحتياط بمجانبته ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه؛ إذ لم يستأذن في خدمة امرأته لذلك، وجواز إحراق ورقة فيها ذكر الله إذا كان لمصلحة، واستحباب التبشير عند تجدد النعمة واندفاع الكربة، واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة، وسروره بما يسر أصحابه، والتصدق بشيء عند ارتفاع الحزن، والنهي عن التصدق بكل ماله عند عدم الصبر، وإجازة البشير بخلعة، وتخصيص اليمين بالنية، وجواز العارية، ومصافحة القادم والقيام له، والتزام مداومة الخير الذي ينتفع به، واستحباب سجدة الشكر، وفيه عظم أمر المعصية.

                                                                                                                                                                                  وعن الحسن البصري أنه قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما، ولا سفكوا دما حراما، ولا أفسدوا في الأرض، وأصابهم ما سمعتم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر؟! رواه ابن أبي حاتم.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن القوي يؤاخذ أشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين، وفيه جواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه، وفيه جواز مدح الرجل بما فيه من الخير إذا أمن [ ص: 56 ] الفتنة، وتسلية نفسه عما لم يحصل له بما وقع لنظيره، وفيه جواز ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره ثلاثة أيام، وفيه تبريد حر المعصية بالتأسي بالنظير، وفيه جواز ترك رد السلام على المهجور عمن سلم عليه؛ إذ لو كان واجبا لم يقل كعب: "هل حرك شفتيه برد السلام" وفيه أن قول المرء: "الله ورسوله أعلم" ليس بخطاب ولا كلام فلا يحنث به من حلف أن لا يكلم فلانا إذا لم ينو به مكالمته، وفيه مشروعية العارية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية