الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1889 1890 ص: وقد يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - لم يصل يومئذ; لأنه كان يقاتل، فالقتال عمل، والصلاة لا يكون فيها عمل، وقد يجوز أن يكون لم يصل يومئذ; لأنه لم يكن أمر حينئذ أن يصلي راكبا، فنظرنا في ذلك.

                                                فإذا ابن مرزوق قد حدثنا، قال: ثنا أبو عامر ، وبشر بن عمر ، عن ابن أبي ذئب (ح).

                                                وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال: " حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا، وذلك قول الله -عز وجل-: وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا ، فأقام الظهر، فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام العصر، فصلاها كذلك،

                                                [ ص: 276 ] ثم أمره فأقام المغرب، فصلاها كذلك، وذلك قبل أن ينزل الله -عز وجل- في صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا
                                                ".

                                                فأخبر أبو سعيد - رضي الله عنه - أن تركهم للصلاة يومئذ ركبانا إنما كان قبل أن يباح لهم ذلك، ثم أبيح لهم بهذه الآية، فثبت بذلك أن الرجل إذا كان في الحرب لا يمكنه النزول عن دابته من خوف العدو، وكذا من سبع، أن له أن يصلي عليها إيماء، وكذلك لو أن رجلا كان على الأرض وهو يخاف إن سجد أن يفترسه سبع أو يضربه رجل بسيف فله أن يصلي قاعدا إن كان يخاف ذلك في القيام، ويومئ إيماء، وهذا كله قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عما قاله أهل المقالة الأولى، وتقريره من وجهين:

                                                أحدهما: أن ترك النبي - عليه السلام - الصلاة يومئذ إنما كان لأجل كونه مشغولا بالقتال، فالقتال عمل، وكل عمل يفسد الصلاة، فالقتال يفسد الصلاة.

                                                والآخر: يجوز أنه لم يصل حينئذ لأنه لم يكن مأمورا حينئذ بالصلاة راكبا، فلذلك لم يصل، ثم أكد صحة الوجه الثاني من التأويل بحديث أبي سعيد الخدري، فإنه صرح فيه أن تركهم للصلاة ركبانا يومئذ إنما كان لأجل عدم إباحة ذلك لهم، وإنما أبيح ذلك بعد ذلك.

                                                وأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي وبشر بن عمر الزهراني، كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه أبي سعيد سعد بن مالك الخدري .

                                                وأخرجه النسائي نحوه، ولفظه: "شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة

                                                [ ص: 277 ] الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله -عز وجل- وكفى الله المؤمنين القتال فأمر رسول الله - عليه السلام - بلالا فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام للعصر، فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام للمغرب، فصلاها كما كان يصليها في وقتها".


                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب ، عن محمد بن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : نا يحيى، نا ابن أبي ذئب، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلوات حتى كان بعد المغرب هويا، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فلما كفينا القتال وذلك قوله: وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا أمر النبي - عليه السلام -، بلالا فأقام الظهر ... " إلى آخره نحو رواية النسائي .

                                                قوله: "حبسنا" على صيغة المجهول، أي: منعنا عن الصلوات.

                                                "حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل" أي الزمان الطويل منه، وقال ابن الأثير: يقال: هوى يهوي هويا -بالفتح- إذا هبط، وهوى يهوي هويا -بالضم- إذا صعد، وقيل بالعكس، وهو يهوي هويا أيضا إذا أسرع في السير، والهوي -بالفتح- الحين الطويل من الزمان، وقيل: هو مختص بالليل.

                                                وقال الجوهري: مضى هوي من الليل -على فعيل- أي هزيع منه.

                                                وفي "المطالع": الهوي قطعة من الليل وقال أيضا: والهوي والهوي -يعني بالفتح والضم- المضي والإسراع.

                                                وقال الخليل: هما لغتان بمعنى، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية