الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1078 [ 558 ] وعن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما .

                                                                                              ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه .


                                                                                              وفي رواية " سنا " مكان " سلما " .

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 118 و 124)، ومسلم (673) (290)، وأبو داود (582)، والترمذي (235)، والنسائي (2 \ 76)، وابن ماجه (980) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله “ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " ، تمسك بظاهر هذا أبو حنيفة فقال : القارئ أولى من الفقيه . وقال مالك : الفقيه أولى من القارئ ; لأن الحاجة إلى الفقه أكثر ، وهو أعرف بما ينوبه من الحوادث في الصلاة . وتأول أصحاب الحديث بأن الأقرأ فيه هو الأفقه ; لأن الأقرأ كان عندهم هو الأفقه ، لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن ، وقد كان من عرفهم الغالب تسميتهم الفقهاء بالقراء . قلت : إن صحت غلبة العرف فالقول ما قاله مالك .

                                                                                              وقوله “ فإن كانوا في القرآن سواء فأعلمهم بالسنة " يعتضد به أبو حنيفة لمذهبه من حيث فضل فيه بين القرآن والسنة ، وهذه الزيادة - هنا - انفرد بها الأعمش ، ومحملها عندنا وعند الشافعي - والله أعلم - فيمن كان في أول الإسلام عند عدم التفقه ، فكان المقدم القارئ وإن كان صبيا على ما جاء في حديث عمرو بن سلمة ، فلما تفقه الناس في القرآن والسنة قدم الفقيه ، بدليل تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر لخلافته في الصلاة . وقد نص - صلى الله عليه وسلم - على أن " أقرأهم أبي " ، فلو [ ص: 298 ] كان الأمر على ما ذهب إليه أبو حنيفة لكان أبي أولى بالإمامة في الصلاة .

                                                                                              والسنة المذكورة هي أحاديث السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                              وفي قوله " يؤم القوم أقرؤهم " حجة لنا في منع إمامة المرأة للرجال ; لأن القوم هم الرجال ، لأنهم بهم قوام الأمور ، وقد قال تعالى : لا يسخر قوم من قوم [ الحجرات :11 ] وقال : ولا نساء من نساء [ الحجرات :11 ] وقال الشاعر :


                                                                                              وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء ؟



                                                                                              فسمى الرجال قوما .

                                                                                              وقوله “ فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة " ، هذه الزيادة فيها فضيلة الهجرة ، قال الخطابي : وإن كانت الهجرة اليوم قد انقطعت ففضيلتها باقية على أبنائهم ، فمن كان من أبنائهم أو كان في آبائه وأسلافه من له سابقة وقدم في الإسلام فهو مقدم على غيره .

                                                                                              وقوله “ فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما " ; أي إسلاما ، وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام ، كما قال تعالى : والسابقون السابقون أولئك المقربون [ الواقعة : 10 و 11 ]

                                                                                              وفي الرواية الأخرى " سنا " مكان " سلما " ، وهو راجع إلى سبق السن بالإسلام ; لأن الأكبر سنا سبق الأصغر . قال القاضي : وقد روى الزهري في هذا الحديث : فإن استووا في القراءة فأفقههم في دين الله ، فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا ، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها ، فإن كانوا في الصباحة والحسن سواء فأكثرهم حسبا . قال بعض العلماء : إنما رتب النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 299 ] الأئمة هذا الترتيب لأنها خلافة النبي صلى الله عليه وسلم ; إذ هو إمام الناس في الدنيا والآخرة ، فهي بعده للأقرب إليه منزلة والأشبه به مرتبة .

                                                                                              وقوله “ ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " ; أي في موضع سلطنته ، وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف فيه ، وفيه حجة على أن الإمام المنصوب من السلطان أو من جعل له الصلاة أحق بالتقديم من غيره حيث كان ، قال الخطابي : وهذا في الجمعات والأعياد لتعلقها بالسلاطين ، فأما في الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم ، قال القاضي : وهذا ما لا يوافق عليه ، بل الصلاة لصاحب السلطنة حق من حقه وإن حضر أفضل منه . وقد تقدم الأمراء من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن بعدهم على من تحت أيديهم وفيهم الأفضل ، وقد ذكر شيوخنا أن الإمام على الجملة أفضل دون تفصيل في وجه ، وحكى الماوردي قولين في الأحق ; هو أو رب المنزل ؟ ثم صاحب المنزل أحق من زائره لأنه سلطانه وموضع تدبيره ، إلا أن يأذن صاحب المنزل للزائر ، ويستحب له إن حضر من هو أفضل منه أن يقدمه .

                                                                                              وقوله “ ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " ، التكرمة هنا الفراش الذي يقعد عليه ، ووجه هذا المنع أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه ، غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود عليها ، وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها مثلا أو ببيعها أولى .




                                                                                              الخدمات العلمية