الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 338 ] فرع : ويقرب من هذه المسائل : مسائل اجتماع الفضيلة ، والنقيصة ، فمنها : الصلاة أول الوقت بالتيمم ، وآخره بالوضوء ، والأظهر : استحباب التأخير إن تيقن الوضوء ، والتقديم إن ظنه ، أو جوز وجوده ، أو توهمه .

                قال إمام الحرمين : والخلاف فيمن أراد الاقتصار على صلاة واحدة ، فإن صلى أوله بالتيمم وآخره بالوضوء فهو النهاية في تحصيل الفضيلة . ومنها : الصلاة أول الوقت منفردا ، وآخره جماعة ، وفي الأفضل طرق .

                قطع أكثر العراقيين : باستحباب التأخير وأكثر الخراسانيين باستحباب التقديم . وقال آخرون : حكمه حكم الماء ، فإن تيقن الجماعة آخره فالتأخير أفضل ، وإلا فالتقديم . قال النووي : وقد ثبت في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه { ستجيء أئمة ، يؤخرون الصلاة عن أول وقتها . قال : فصلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة } .

                قال : فالذي نختاره : أن يصلي مرتين ، فإن اقتصر على واحدة ، فإن تيقن حصول الجماعة فالتأخير أفضل ; لتحصيل شعارها الظاهر ; ولأنها فرض كفاية .

                وفي وجه : فرض عين ، ففي تحصيلها : خروج من الخلاف . قال : ويحتمل أن يقال : إن فحش التأخير ، فالتقديم أفضل . وإن خف ، فالانتظار أفضل . ومنها : الصلاة أول الوقت عاريا ، أو قاعدا ، وآخره مستورا ، أو قائما . وفيها الخلاف في المتيمم .

                ومنها : الصلاة أول الوقت قاصرا ، وآخره مقيما ، يصلي قاصرا بلا خلاف . نقله في شرح المهذب ، عن صاحب البيان ومنها : لو خاف فوت الجماعة إن أسبغ الوضوء ، فإدراكها أولى من الانحباس لإكماله نقله النووي عن صاحب الفروع . وقال : فيه نظر . ومنها : لو خاف فوت الركعة إن مشى إلى الصف الأول . قال في شرح المهذب : لم أر فيه لأصحابنا ، ولا لغيرهم شيئا .

                والظاهر : أنه إن خاف فوت الركعة الأخيرة حافظ عليها ، وإن خاف فوت غيرها مشى إلى الصف الأول للأحاديث الصحيحة في الأمر بإتمامه والازدحام عليه . [ ص: 339 ] ومنها : لو قدر أن يصلي في بيته قائما منفردا . ولو صلى مع الجماعة احتاج أن يقعد في بعضها فالأفضل الانفراد ، محافظة على القيام ذكره الشافعي والأصحاب .

                ومنها : لو ضاق الوقت على سنن الصلاة . قال البغوي في فتاويه ، ما حاصله : إن السنن التي تجبر بالسجود يأتي بها ، بلا إشكال . وأما غيرها ، فالظاهر : الإتيان بها أيضا ; لأن الصديق كان يطول القراءة في الصبح حتى تطلع الشمس .

                قال : ويحتمل أن لا يأتي بها ، إلا إذا أدرك الركعة . قال الإسنوي : وفيما قاله نظر . ومنها : لو ضاق الماء والوقت ، عن استيعاب سنن الوضوء وجب الاقتصار على الواجبات ، صرح به النووي في شرح التنبيه .

                ومنها : لو اجتمع في الإمامة الأفقه ، والأقرأ ، والأورع الأصح : تقديم الأفقه عليهما ، لاحتياج الصلاة إلى مزيد الفقه ، لكثرة عوارضها ، وقيل : بالتساوي لتعادل الفضيلتين ، ولو اجتمع السن والنسب ، فالأظهر : تقديم السن ; لأنه صفة في نفسه ، والنسب صفة في آبائه ، ولو اجتمعا مع الهجرة ، فالجديد : تقديمهما . واختار النووي : تقديم الهجرة عليهما وصححه في المهذب .

                ولو اجتمع الأعمى والبصير ، فقيل : الأعمى أولى ; لأنه أخشع ; إذ لا ينظر إلى ما يلهيه وقيل البصير لأنه أكثر تحفظا من النجاسات والأصح : أنهما سواء ; لتعادلهما ، ولو اجتمع في صلاة الجنازة الحر البعيد ، والعبد القريب ، والحر غير الفقيه ، والعبد الفقيه فالأصح فيهما تقديم الحر .

                والثالث : يستويان ; لتعادلهما .

                وقريب من هذه المسائل : الخصال المعتبرة في الكفاءة ، هل يقابل بعضها ببعض ؟ الأصح : المنع ، فلا يكافئ رقيق عفيف : حرة فاسقة ، ولا حر معيب : رقيقة سليمة ، ولا عفيف دنيء النسب : فاسقة شريفة [ ص: 340 ] وفي نظير المسألة من القصاص : لا تقابل جزما ، فلا يقاد عبد مسلم بكافر حر ، بلا خلاف .

                خاتمة لا يقدم في التزاحم على الحقوق أحد ، إلا بمرجح . وله أسباب : أحدها : السبق ، كجماعة ماتوا ، وهناك ما يكفي أحدهم ، قدم أسبقهم موتا . والمستحاضة : ترى الدم بصفتين مستويتين ، فيرجح الأسبق . وكالازدحام في الدعوى ، والإحياء ، والدرس .

                ولو وكل رجلا في بيع عبده ، وآخر في عتقه ، قال الدبيلي : من سبق فله الحكم . ثانيها : القوة ، فلو أقر الوارث بدين ، وأقام الآخر بينة بدين ، والتركة لا تفي بهما قال صاحب الإشراف : يقدم دين البينة . ثالثها : القرعة في مواضع كثيرة ، كازدحام الأولياء في النكاح ، والعبيد في العتق ، والمقتصين في الجاني عليهم معا .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية