الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5940 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب بن أبي حمزة حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم بعد ثمانين سنة واختتن بالقدوم مخففة قال أبو عبد الله حدثنا قتيبة حدثنا المغيرة عن أبي الزناد وقال بالقدوم وهو موضع مشدد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة تقدم بيان ذلك والاختلاف في سنه حين اختتن وبيان قدر عمره في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم - عليه السلام - ، وذكرت هناك أنه وقع في الموطأ من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا على أبي هريرة أن إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة واختتن بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ورويناه في " فوائد ابن السماك " من طريق أبي أويس عن أبي الزناد بهذا السند مرفوعا وأبو أويس فيه لين وأكثر الروايات على ما وقع في حديث الباب أنه - عليه السلام - اختتن وهو ابن ثمانين سنة وقد حاولالكمال بن طلحة في جزء له في الختان الجمع بين الروايتين فقال نقل في الحديث الصحيح أنه اختتن لثمانين وفي رواية أخرى صحيحة أنه اختتن لمائة وعشرين والجمع بينهما أن إبراهيم عاش مائتي سنة منها ثمانون سنة غير مختون ومنها مائة وعشرون وهو مختون فمعنى الحديث الأول اختتن لثمانين مضت من عمره والثاني لمائة وعشرين بقيت من عمره وتعقبه الكمال بن العديم في جزء سماه " الملحة في الرد على ابن طلحة " بأن في كلامه وهما من أوجه

                                                                                                                                                                                                        أحدها تصحيحه لرواية مائة وعشرين وليست بصحيحة ، ثم أوردها من رواية الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعة وتعقبه بتدليس الوليد ثم أورده من " فوائد ابن المقري " من رواية جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد به موقوفا ومن رواية علي بن مسهر وعكرمة بن إبراهيم كلاهما عن يحيى بن سعيد كذلك

                                                                                                                                                                                                        ثانيها قوله في كل منهما لثمانين لمائة وعشرين ولم يرد في طريق من الطرق باللام وإنما ورد بلفظ اختتن وهو ابن ثمانين وفي الأخرى وهو ابن مائة وعشرين وورد الأول أيضا بلفظ " على رأس ثمانين " ونحو ذلك

                                                                                                                                                                                                        ثالثها أنه صرح في أكثر الروايات أنه عاش بعد ذلك ثمانين سنة فلا يوافق الجمع المذكور أن المائة وعشرين هي التي بقيت من عمره

                                                                                                                                                                                                        ورابعها أن العرب لا [ ص: 92 ] تزال تقول خلون إلى النصف فإذا تجاوزت النصف قالوا : بقين والذي جمع به ابن طلحة يقع بالعكس ويلزم أن يقول فيما إذا مضى من الشهر عشرة أيام لعشرين بقين وهذا لا يعرف في استعمالهم .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر الاختلاف في سن إبراهيم وجزم بأنه لا يثبت منها شيء منها قول هشام بن الكلبي عن أبيه قال دعا إبراهيم الناس إلى الحج ثم رجع إلى الشام فمات به وهو ابن مائتي سنة وذكر أبو حذيفة البخاري أحد الضعفاء في " المبتدأ " بسند له ضعيف أن إبراهيم عاش مائة وخمسا وسبعين سنة وأخرج ابن أبي الدنيا من مرسل عبيد بن عمير في وفاة إبراهيم وقصته مع ملك الموت ودخوله عليه في صورة شيخ فأضافه فجعل يضع اللقمة في فيه فتتناثر ولا تثبت في فيه فقال له كم أتى عليك ؟ قال مائة وإحدى وستون سنة فقال إبراهيم في نفسه وهو يومئذ ابن ستين ومائة ما بقي أن أصير هكذا إلا سنة واحدة فكره الحياة فقبض ملك الموت حينئذ روحه برضاه .

                                                                                                                                                                                                        فهذه ثلاثة أقوال مختلفة يتعسر الجمع بينها لكن أرجحها الرواية الثالثة وخطر لي بعد أنه يجوز الجمع بأن يكون المراد بقوله " وهو ابن ثمانين " أنه من وقت فارق قومه وهاجر من العراق إلى الشام ، وأن الرواية الأخرى وهو ابن مائة وعشرين أي من مولده أو أن بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها إلا عشرين أو بالعكس والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قال المهلب : ليس اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين وإنما اختتن وقت أوحى الله إليه بذلك وأمره به ، قال والنظر يقتضي أنه لا ينبغي الاختتان إلا قرب وقت الحاجة إليه لاستعمال العضو في الجماع كما وقع لابن عباس حيث قال " كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك " ثم قال والاختتان في الصغر لتسهيل الأمر على الصغير لضعف عضوه وقلة فهمه .

                                                                                                                                                                                                        قلت يستدل بقصة إبراهيم - عليه السلام - لمشروعية الختان حتى لو أخر لمانع حتى بلغ السن المذكور لم يسقط طلبه ، وإلى ذلك أشار البخاري بالترجمة وليس المراد أن الختان يشرع تأخيره إلى الكبر حتى يحتاج إلى الاعتذار عنه وأما التعليل الذي ذكره من طريق النظر ففيه نظر فإن حكمة الختان لم تنحصر في تكميل ما يتعلق بالجماع بل ولما يخشى من انحباس بقية البول في الغرلة ولا سيما للمستجمر فلا يؤمن أن يسيل فينجس الثوب أو البدن فكانت المبادرة لقطعها عند بلوغ السن الذي يؤمر به الصبي بالصلاة أليق الأوقات وقد بينت الاختلاف في الوقت الذي يشرع فيه فيما مضى

                                                                                                                                                                                                        قوله واختتن بالقدوم مخففة ثم أشار إليه من طريق أخرى مشددة وزاد " وهو موضع " وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم - عليه السلام - من أحاديث الأنبياء وأشرت إليه أيضا في أثناء اللباس وقال المهلب : القدوم بالتخفيف الآلة كقول الشاعر

                                                                                                                                                                                                        على خطوب مثل نحت القدوم

                                                                                                                                                                                                        وبالتشديد الموضع قال وقد يتفق لإبراهيم - عليه السلام - الأمران يعني أنه اختتن بالآلة وفي الموضع .

                                                                                                                                                                                                        قلت وقد قدمت الراجح من ذلك هناك وفي المتفق للجوزقي بسند صحيح عن عبد الرزاق قال القدوم القرية وأخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رفعه اختتن إبراهيم بالقدوم فقلت ليحيى ما القدوم ؟ قال الفأس .

                                                                                                                                                                                                        قال الكمال بن العديم في الكتاب المذكور الأكثر على أن القدوم الذي اختتن به إبراهيم هو الآلة يقال بالتشديد والتخفيف والأفصح التخفيف ووقع في روايتي البخاري بالوجهين وجزم النضر بن شميل أنه اختتن بالآلة المذكورة فقيل له يقولون قدوم قرية بالشام ، فلم يعرفه وثبت على الأول وفي صحاح الجوهري القدوم الآلة والموضع بالتخفيف معا وأنكر ابن السكيت التشديد مطلقا ووقع في متفق البلدان للحازمي قدوم قرية كانت عند حلب وكانت مجلس إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 93 ]



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية