الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1031 حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال سمعت أنسا يقول خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قلت أقمتم بمكة شيئا قال أقمنا بها عشرا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فكان يصلي ركعتين ركعتين ) في رواية البيهقي من طريق علي بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس " إلا في المغرب " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 655 ] قوله : ( أقمنا بها عشرا ) لا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور ؛ لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع ، وسيأتي بعد باب من حديث ابن عباس " قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لصبح رابعة " الحديث ، ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس ، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى ، ومن ثم قال الشافعي : إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام ، وقال أحمد : إحدى وعشرين صلاة . وأما قول ابن رشيد : أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس لأن إقامة عشر داخل في إقامة تسع عشرة - فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين - ففيه نظر لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين ، والحق أنهما مختلفان ، فالمدة التي في حديث ابن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو الإقامة بل كان مترددا متى يتهيأ له فراغ حاجته يرحل ، والمدة التي في حديث ابن أنس يستدل بها على من نوى الإقامة لأنه - صلى الله عليه وسلم - في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة ، ووجه الدلالة . حديث ابن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجئ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر ، وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي ، وفيه أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة ، وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة ليسا من مكة ، أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا ، وأما منى ففيها احتمال ، والظاهر أنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم ، قال أحمد بن حنبل : ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته - صلى الله عليه وسلم - في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا . وقال المحب الطبري : أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم . وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما ، وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي ، وهي رواية عن مالك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية