الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      1619 أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن الأحول يعني سليمان بن أبي مسلم عن طاوس عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت حق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت ثم ذكر قتيبة كلمة معناها وبك خاصمت وإليك حاكمت اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      1619 ( أنت نور السماوات والأرض ) أي : منورهما وبك يهتدي من فيهما , وقيل : المعنى أنت المنزه من كل عيب يقال : فلان منور أي : مبرأ من كل عيب , ويقال : هو اسم مدح . تقول : فلان نور البلد أي : مزينه ( أنت قيام السماوات ) قال قتادة : القيام : القائم بتدبير خلقه المقيم لغيره [ ص: 210 ] ( أنت حق ) هو المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه قال القرطبي : هذا الوصف له سبحانه بالحقيقة , خاص به لا ينبغي لغيره , إذ وجوده لذاته فلم يسبقه عدم , ولا يلحقه عدم بخلاف غيره ( ووعدك حق ) أي : ثابت ( والساعة حق ) أي : يوم القيامة ( والنبيون حق ومحمد حق ) من عطف الخاص على العام تعظيما له ( لك أسلمت ) أي : انقدت وخضعت ( وبك آمنت ) أي : صدقت ( وبك خاصمت ) أي : بما أعطيتني من البرهان وبما لقنتني من الحجة ( وإليك حاكمت ) أي : كل من جحد الحق ( اغفر لي ما قدمت ) أي : قبل هذا الوقت ( وما أخرت ) عنه ( وما أسررت , وما أعلنت ) أي : أخفيت , وأظهرت , أو ما حدثت به نفسي , وما تحرك به لساني ( أنت المقدم , وأنت المؤخر ) قال المهلب : أشار بذلك إلى نفسه ؛ لأنه المقدم في البعث في الآخرة , والمؤخر في البعث في الدنيا , وقال القاضي عياض : قيل : معناه المنزل للأشياء منازلها يقدم ما يشاء , ويؤخر ما يشاء , ويعز من يشاء ويذل من يشاء , وجعل عباده بعضهم فوق بعض درجات , وقيل : هو بمعنى الأول والآخر , إذ كل متقدم على متقدم فهو قبله , وكل مؤخر على متأخر فهو بعده ويكون المقدم والمؤخر بمعنى الهادي والمضل ، قدم من شاء لطاعته لكرامته , [ ص: 211 ] وأخر من شاء بقضائه لشقاوته , وقال الكرماني : هذا الحديث من جوامع الكلم ؛ لأن لفظ القيام إشارة إلى أن وجود الجواهر , وقوامها منه وبالنور إلى أن الأعراض أيضا منه وبالملك إلى أنه حاكم عليها إيجادا وإعداما يفعل ما يشاء , وكل ذلك من نعم الله تعالى على عباده , فلهذا قرن كلا منها بالحمد , وخصص الحمد به , ثم قوله : أنت الحق . إشارة إلى أنه المبدئ للفعل والقول ونحوه إلى المعاش والساعة ونحوها إشارة إلى المعاد , وفيه الإشارة إلى النبوة , وإلى الجزاء ثوابا وعقابا , ووجوب الإيمان والإسلام والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله تعالى وللخضوع له .




                                                                                                      الخدمات العلمية