الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب جامع الصلاة

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          412 412 24 - باب جامع الصلاة .

                                                                                                          كأن مغايرة هذه الترجمة للتي قبلها العمل في جامع الصلاة اعتبارية ، وهي أن الأحاديث التي أوردها في تلك تتعلق بذات الصلاة ، ومنه ندب إيقاعها بمسجد قباء ، وهذه تتعلق بما ليس من ذاتها كحمل الصبية وتعاقب الملائكة وتقديم الأفضل للإمامة وغير ذلك .

                                                                                                          - ( مالك ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ) ابن العوام القرشي الأسدي أبي الحارث المدني التابعي ، ثقة عابد ، مات سنة إحدى وعشرين ومائة .

                                                                                                          ( عن عمرو ) بفتح العين ( ابن سليم ) بضم السين ( الزرقي ) بضم الزاي وفتح الراء وقاف الأنصاري ( عن أبي قتادة ) [ ص: 585 ] الحارث ، ويقال : عمرو أو النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة فمهملة ( الأنصاري ) صحابي شهير ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة ) بضم الهمزة وتخفيف الميمين كانت صغيرة في عهده - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها علي بعد فاطمة بوصية منها ولم تعقب ، والمشهور في الروايات تنوين حامل ونصب أمامة وروي بالإضافة كما قرئ قوله تعالى : إن الله بالغ أمره ( سورة الطلاق : الآية 3 ) بالوجهين ويظهر أثرهما في قوله : ( بنت زينب ) فتفتح وتكسر بالاعتبارين ( بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أكبر بناته ، والإضافة بمعنى اللام فأظهر في المعطوف وهو قوله : ( ولأبي العاصي ) ما هو مقدر في المعطوف عليه قاله الكرماني ، وأشار ابن العطار إلى أن حكمة ذلك كون والد أمامة كان إذ ذاك مشركا فنسبت إلى أمها تنبيها على أن الولد ينسب إلى أشرف أبويه دينا ونسبا ، ثم بين أنها بنت أبي العاصي تبيينا لحقيقة نسبها .

                                                                                                          قال الحافظ : وهذا السياق لمالك وحده .

                                                                                                          وقد رواه غيره ، عن عامر بن عبد الله فنسبوها إلى أبيها ثم بينوا أنها بنت زينب كما في مسلم وغيره .

                                                                                                          ولأحمد من طريق المقبري ، عن عمرو بن سليم يحمل أمامة بنت أبي العاصي ، وأمها زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عاتقه ، وكذا رواه عبد الرزاق ، عن مالك بإسناده فزاد " على عاتقه " ، وكذا لمسلم وغيره من طرق أخرى ، ولأحمد من طريق ابن جريج " على رقبته " .

                                                                                                          ( ابن ربيعة ) كذا ليحيى وجمهور الرواة .

                                                                                                          ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو مصعب وغيرهم ابن الربيع وهو الصواب ، وادعى الأصيلي أنه ابن الربيع بن ربيعة فنسب إلى جده ، ورده عياض والقرطبي وغيرهما لإطباق النسابين على خلافه ؛ نعم نسبه إلى جده في قوله : ( ابن عبد شمس ) وإنما هو ابن عبد العزى بن عبد شمس بإطباق النسابين أيضا ، واسم أبي العاصي لقيط ، وقيل : مقسم ، وقيل : القاسم ، وقيل : مهشم ، وقيل : هشيم ، وقيل : ياسر ، أسلم قبل الفتح وهاجر ، ورد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته وتوفي في خلافة الصديق .

                                                                                                          ( فإذا سجد وضعها ) كذا لمالك أيضا .

                                                                                                          ولمسلم من طريق عثمان بن أبي سليمان ومحمد بن عجلان ، والنسائي من طريق الزبيدي ، وأحمد من طريق ابن جريج ، وابن حبان من طريق أبي العميس ، كلهم عن عامر شيخ مالك : إذا ركع وضعها ( وإذا قام حملها ) ولمسلم : فإذا قام أعادها ، ولأحمد من طريق ابن جريج : وإذا قام حملها فوضعها على رقبته ، ولأبي داود من طريق المقبري ، عن عمرو بن سليم : " حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها مكانها " وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها ، بخلاف ما أوله الخطابي وابن دقيق العيد بأن الفعل الصادر منه هو الوضع لا الرافع لتعلقها به إذا سجد فينهض فتبقى محمولة فيضعها فيقل [ ص: 586 ] العمل .

                                                                                                          واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث لأنه عمل كثير ، فروى ابن القاسم ، عن مالك أنه كان في النافلة ، واستبعده المازري وعياض والقرطبي لما في مسلم : " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس وأمامة على عاتقه " قال المازري : إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة .

                                                                                                          ولأبي داود : " بينا نحن ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر أو العصر قد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه وكبرنا وهي في مكانها " انتهى .

                                                                                                          لكن أعل ذلك ابن عبد البر بأن أبا داود رواه من طريق ابن إسحاق عن المقبري ، وقد رواه الليث عن المقبري فلم يقل في الظهر أو العصر فلا دلالة فيه على أنه في فريضة ، انتهى .

                                                                                                          ورواية الليث أخرجه البخاري في الأدب ، والاستبعاد لا يمنع الوقوع وقد أم في النفل في قصتي مليكة وعتبان وغيرهما ، وعند الزبير بن بكار ، وتبعه السهيلي : الصبح ، ووهم من عزاه للصحيحين .

                                                                                                          قال القرطبي : وروى أشهب وعبد الله بن نافع ، عن مالك أن ذلك لضرورة ، حيث لم يجد من يكفيه أمرها .

                                                                                                          وقال بعض أصحابه : لأنه لو تركها لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها .

                                                                                                          وقال الباجي : إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة ، وإن لم يجد جاز فيهما .

                                                                                                          قال القرطبي : وروى عبد الله بن يوسف ، عن مالك أن الحديث منسوخ ، قال الحافظ : روى ذلك الإسماعيلي صحيح ، ولفظه : قال التنيسي : قال مالك من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسخ ومنسوخ وليس العمل على هذا .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وبأن هذه القصة كانت بعد قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن في الصلاة لشغلا ؛ لأنه كان قبل الهجرة بمدة مديدة .

                                                                                                          وذكر عياض عن بعضهم أنه من خصائصه لعصمته من أن تبول وهو حاملها ، ورد بأن الأصل عدم الاختصاص ، وبأنه لا يلزم من ثبوته في أمر ثبوته في غيره بلا دليل ولا دخل للقياس في مثله ، وحمله أكثر العلماء على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة في أركان صلاته .

                                                                                                          وقال النووي : ادعى بعض المالكية أنه منسوخ ، وبعضهم من الخصائص ، وبعضهم أنه لضرورة وكله دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها ، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع ؛ لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه ، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة ، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت وتفرقت ، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك ، وإنما فعله - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز ، وقال الفاكهاني : كأن السر فيه دفع ما ألفته العرب من كراهة البنات وحملهن فخالفهم حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم ، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول ، وفيه ترجيح العمل بالأصل على الغالب .

                                                                                                          ورده ابن دقيق العيد بأن حكايات الأحوال لا عموم لها ؛ أي : لاحتمال أن أمامة كانت حينئذ قد غسلت ، وجواز إدخال الصبيان المساجد وصحة صلاة من حمل [ ص: 587 ] آدميا ، وتواضعه - صلى الله عليه وسلم - وشفقته على الأطفال وإكرامه لهم جبرا لهم ، انتهى .

                                                                                                          وفي التمهيد : حمله العلماء على أن أمامة كانت عليها ثياب طاهرة وأنه أمن منها ما يحدث من البول ، والحديث رواه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن عبد الله بن مسلمة ، وقتيبة ويحيى التميمي أربعتهم ، عن مالك به ، وتابعه عثمان بن سليمان وابن عجلان ، عن عامر به عند مسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية