الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
855 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال : " هل قرأ معي أحد منكم آنفا ؟ " فقال رجل : نعم ، يا رسول الله ! قال : " إني أقول : ما لي أنازع القرآن ؟ " قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك ، من رسول الله ، رواه أحمد ومالك ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي . وروى ابن ماجه نحوه .

التالي السابق


855 - ( وعن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف ) ، أي : فرغ ( من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال : " هل قرأ معي أحد منكم آنفا ؟ ) : بالمد ، ويجوز قصره يعني الآن ، وأراد به قريبا ، والظاهر أن سؤاله عن القراءة سرا ، وإلا فالجهر لا يخفى ( فقال رجل : نعم ، يا رسول الله ! قال : " إني أقول ما لي أنازع القرآن ) ، بفتح الزاي ونصب القرآن على أنه مفعول ثان ، أي : فيه كذا ، في الأزهار نقله ميرك ، وفي نسخة بكسر الزاي ، وفي شرح المصابيح لابن الملك قيل : على صيغة المجهول ، أي : أداخل في القراءة وأشارك فيها وأغالب عليها ، وذلك ؛ لأنهم جهروا بالقراءة خلفه أو اشتغلوا عن سماع قراءته الأفضل بقراءتهم سرا فشغلوه ، فكأنهم نازعوه ، والأظهر حمله على قراءتهم سرا قبل فراغه من قراءة الفاتحة ، أو على قراءتهم بعد فراغهم ما عدا الفاتحة سرا ، فيوافق ما سبق من الحديث ( قال ) ، أي : أبو هريرة قاله ابن الملك ، وهو الظاهر ، لكن نقل ميرك عن ابن الملقن أن قوله : فانتهى الناس إلخ ، هو من كلام الزهري لا مرفوعا قاله البخاري ، والذهبي ، وابن فارس ، وأبو داود ، وابن حبان ، والخطابي وغيرهم اهـ .

وقوله : ( فانتهى الناس عن القراءة ) ، أي : تركوها ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : وظاهر الإطلاق شامل للجهر والسر والفاتحة وغيرها ، ولعل هذا هو الناسخ لما تقدم ؛ لأن أبا هريرة متأخر الإسلام ( فيما جهر فيه بالقراءة من الصلوات ) : ومفهومه أنهم كانوا يسرون بالقراءة فيما كان يخفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الأكثر ، وعليه الإمام محمد من أئمتنا ( حين سمعوا ذلك ) ، أي : ما ذكر ( من رسول الله ) : قال ابن الملك : ومن قال بقراءتها خلف الإمام في الجهرية حمل على ترك رفع الصوت خلفه اهـ ، وهو خلاف ظاهر قوله عليه السلام : ( هل قرأ أحد منكم ) ، ( رواه مالك ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ) : أي بهذا اللفظ من حديث ابن أكيمة الليثي ، عن أبي هريرة في الصلاة ، وقال الترمذي هذا حديث حسن ، قال النووي : وأنكر الأئمة على الترمذي تحسينه ، واتفقوا على ضعف هذا الحديث ؛ لأن ابن أكيمة مجهول ، وعلى أن جملة " فانتهى الناس عن القراءة " ليست من الحديث ، بل هي من كلام الزهري مدرجة فيه ) ، هذا متفق عليه عند الحفاظ المتقدمين والمتأخرين منهم : الأوزاعي ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وأبو داود ، والخطابي وغيرهم ، وفي رواية لأبي داود ، عن الزهري قال : سمعت ابن أكيمة يحدث ، عن سعيد بن المسيب قال : سمعت أبا هريرة يقول : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة أظن أنها الصبح بمعناه إلى قوله : " وما لي أنازع فيها ؟ " قال معمر : فانتهى الناس إلخ ، وفي رواية قال معمر : عن الزهري ، قال أبو هريرة : فانتهى الناس ، نقله ميرك ، والرواية الأخيرة هي الظاهرة من المشكاة ، والله أعلم .

[ ص: 702 ] ( وروى ابن ماجه : نحوه ) ، أي : معناه ، قال ميرك ، نقلا عن ابن الملقن : حديث أبي هريرة ، رواه مالك ، والشافعي والأربعة ، وقال الترمذي : حسن ، وصححه ابن حبان ، وضعفه الحميدي ، والبيهقي اهـ ، وكذا يعلم أن قول النووي اتفقوا على ضعف هذا الحديث غير صحيح ، قال ابن حجر : وخبر " من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام قراءة له " ضعيف أيضا ، وكذا خبر النهي عن القراءة خلف الإمام كما بينه البيهقي على أنه يمكن حملهما على المسبوق ، أو قراءة السورة .




الخدمات العلمية