الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( فإن ) ( اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى ) [ ص: 419 ] لأن الصحابة رضوان الله عليهمتحروا وصلوا ، ولم ينكر عليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب عند انعدام دليل فوقه ، والاستخبار فوق التحري ( فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها ) وقال الشافعي رحمه الله تعالى: يعيدها إذا استدبر لتيقنه بالخطأ ، ونحن نقول : ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري والتكليف مقيد بالوسع .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث الخامس } :

                                                                                                        روى الصحابة تحروا وصلوا ، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : روي من حديث عامر بن ربيعة . ومن حديث جابر ، فحديث عامر بن ربيعة أخرجه [ ص: 419 ] الترمذي وابن ماجه عن أشعث بن سعيد السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عامر بن ربيعة ، قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، زاد الترمذي : في ليلة مظلمة ، قال : فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة ، فصلينا ، وأعلمنا ، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا لغير القبلة ، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { فأينما تولوا فثم وجه الله }الآية ، }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، ولا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان ، وهو يضعف في الحديث انتهى . ورواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " وزاد فيه ، فقال : قد مضت صلاتكم وأنزل الله الآية ، قال ابن القطان في " كتابه " : الحديث معلول بأشعث . وعاصم ، فأشعث مضطرب الحديث ، ينكر عليه أحاديث . وأشعث السمان سيئ الحفظ ، يروي المنكرات عن الثقات ، وقال فيه عمرو بن علي : متروك انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث جابر ، فله ثلاثة طرق :

                                                                                                        أحدها : عند الحاكم في " المستدرك " عن محمد بن سالم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر ، قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ، فأظل لنا غيم ، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة ، فصلى كل واحد منا على حدة ، فجعل كل واحد منا يخط بين يديه ليعلم مكانه ، فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا بالإعادة ، وقال لنا : قد أجزأت صلاتكم }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : هذا حديث صحيح برواته كلهم غير محمد بن سالم ، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح ، وقد تأملت " كتابي الشيخين " فلم يخرجا في هذا الباب شيئا انتهى .

                                                                                                        قال الذهبي في " مختصره " : محمد بن سالم يكنى أبا سهيل ، وهو واه ، انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " ، وقال : محمد بن سالم ضعيف انتهى . [ ص: 420 ] الطريق الثاني : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري ، قال : وجدت في " كتاب أبي " ثنا عبد الملك العرزمي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله ، قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها ، فأصابتنا ظلمة ، فلم نعرف القبلة ، فصلوا وخطوا خطوطا ، فلما أصبحوا ، وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت ، فأنزل الله تعالى : { ولله المشرق والمغرب }الآية } ، ثم أخرج الدارقطني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ، قال : إنها نزلت في التطوع خاصة : حيث توجه بك بعيرك انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان في " كتابه " : وعلة هذا الانقطاع فيما بين أحمد بن عبيد الله وأبيه والجهل بحال أحمد المذكور ، وما مس به أيضا عبيد الله بن الحسن العنبري من المذهب على ما ذكره ابن أبي خيثمة . وغيره انتهى .

                                                                                                        الطريق الثالث

                                                                                                        عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر نحوه ، قال البيهقي : وبالجملة فلا نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحا ، وذلك لأن عاصم بن عبيد الله بن عمر العمري . ومحمد بن عبيد الله العرزمي ، ومحمد بن سالم كلهم ضعفاء ، والطريق إلى عبد الملك العرزمي غير واضح ، لما فيه من الوجادة وغيرها انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : محمد بن عبيد الله العرزمي ، ومحمد بن سالم ضعيفان ، وهما حديثان مختلفان يرويهما جابر : أحدهما : كان في غزوة كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . والآخر : سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلة أحدهما غير علة الآخر ، قال : وأخطأ أبو محمد عبد الحق حيث جعلهما حديثا واحدا ، قال : ويمكن الجمع بين الروايتين لو صحتا ، بأن السرية كانت جريدة جردها رسول الله صلى الله عليه وسلم من العسكر ، فمر فيها جابر ، واعتراهم ما ذكر ، ولما قفلوا منها إلى عسكر النبي صلى الله عليه وسلم سألوه ، أو تكون الجريدة لم تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا في المدينة ، حتى يكون قوله : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية صادقين ، انتهى كلامه . وقال العقيلي في " كتابه " : هذا حديث لا يروى من وجه يثبت انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية