الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل السادس

فيما يحمله الإمام عن المأمومين .

واتفقوا على أنه لا يحمل الإمام عن المأموم شيئا من فرائض الصلاة ما عدا القراءة ، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال : أحدها : أن المأموم يقرأ مع الإمام فيما أسر فيه ولا يقرأ معه فيما جهر به . والثاني : أنه لا يقرأ معه أصلا . والثالث : أنه يقرأ فيما أسر أم الكتاب ، وغيرها ، وفيما جهر أم الكتاب فقط ، وبعضهم فرق في الجهر بين أن يسمع قراءة الإمام أو لا يسمع ، فأوجب عليه القراءة إذا لم يسمع ، ونهاه عنها إذا سمع ، وبالأول قال مالك ، إلا أنه يستحسن له القراءة فيما أسر فيه الإمام .

وبالثاني قال أبو حنيفة ، وبالثالث : قال الشافعي ، والتفرقة بين أن يسمع أو لا يسمع هو قول أحمد بن حنبل .

والسبب في اختلافهم : اختلاف الأحاديث في هذا الباب وبناء بعضها على بعض ، وذلك أن في ذلك أربعة أحاديث : أحدها : قوله - عليه الصلاة والسلام - " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " ، وما ورد من الأحاديث في هذا المعنى مما ذكرناه في باب وجوب القراءة .

والثاني : ما روى مالك عن أبي هريرة ؟ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال : هل قرأ معي منكم أحد آنفا ، فقال رجل : نعم أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله : إني أقول ما لي أنازع القرآن " فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والثالث : حديث عبادة بن الصامت قال : " صلى بنا رسول الله صلاة الغداة ، فثقلت عليه القراءة .

فلما انصرف قال : إني لأراكم تقرءون وراء الإمام ، قلنا : نعم ، قال : فلا تفعلوا إلا بأم القرآن
" قال أبو عمر : وحديث عبادة بن الصامت هنا من رواية مكحول ، وغيره متصل السند صحيح .

والحديث الرابع : حديث جابر عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : " من كان له إمام فقراءته له قراءة " وفي هذا أيضا حديث خامس صححه أحمد بن حنبل ، وهو ما روي أنه قال - عليه الصلاة والسلام : - " إذا قرأ الإمام فأنصتوا " فاختلف الناس في وجه جمع هذه الأحاديث .

[ ص: 132 ] فمن الناس من استثنى من النهي عن القراءة فيما جهر فيه الإمام قراءة أم القرآن فقط على حديث عبادة بن الصامت . ومنهم من استثنى من عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " المأموم فقط في صلاة الجهر لمكان النهي الوارد عن القراءة فيما جهر فيه الإمام في حديث أبي هريرة ، وأكد ذلك بظاهر قوله تعالى ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) قالوا : وهذا إنما ورد في الصلاة . ومنهم من استثنى القراءة الواجبة على المصلي المأموم فقط سرا كانت الصلاة أو جهرا ، وجعل الوجوب الوارد في القراءة في حق الإمام والمنفرد فقط مصيرا إلى حديث جابر ، وهو مذهب أبي حنيفة ، فصار عنده حديث جابر مخصصا لقوله - عليه الصلاة والسلام - " واقرأ ما تيسر معك فقط " ; لأنه لا يرى وجوب قراءة أم القرآن في الصلاة ، وإنما يرى وجوب القراءة مطلقا على ما تقدم ، وحديث جابر لم يروه مرفوعا إلا جابر الجعفي ، ولا حجة في شيء مما ينفرد به . قال أبو عمر : وهو حديث لا يصح إلا مرفوعا عن جابر .

التالي السابق


الخدمات العلمية