الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي أصيبت بأعراض عديدة بعد سماع الرقية، فماذا نفعل لعلاجها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أختي حافظة لكتاب الله، وصاحبة دين وخلق، وحاصلة على إجازات كثيرة في القراءة والأحاديث والمتون، تعمل ممرضة في المشفى، ذات يوم استمعت إلى الرقية في هاتفها، فإذا بها تتخبط، وأحست بضيق تنفس شديد، وساءت حالتها، الأمر الذي دفعنا لأخذها لراقٍ شرعي قرأ عليها من القرآن الكريم، حيث تغير صوتها، وتكلم بلسانها شيء آخر وليست هي، وأصبحت منذ 10 أيام أو أكثر على هذه الحالة.

فترات تكون بخير، وفترات تصاب بإغماء وهي تمشي فتسقط، حركات يديها ورجليها كأنها معاقة، فمُها كذلك يصاب باعوجاج، ولسانها يثقل ويتكلم ما بها ويهددنا بأننا إن غفلنا عنها فسيقتلها، ويرميها في الفتن، ويحرف القرآن، الأمر الذي أدخلنا في ريبة، وجعلنا نتناوب على حراستها، ونذهب للكثير من الرقاة -هداهم الله- الذين فسروا هذه الحالة كل على عدة تفاسير، فمنهم من قال مس، ومنهم من قال سحر أسود، ومنهم من قال إنه جني طيّار يغيب ويحضر، ومنهم من قال إنها ليست حالة رقية، بل علاجها بالكتابة، أي الطلاسم -والعياذ بالله-.

هذا الأمر أغضبني، وقررت عدم الذهاب مجددًا لأي راق؛ لأننا دخلنا في دوامة، وقلت إن علاجها بيد الله سبحانه، وبقراءتها على نفسها ورقية نفسها والتحصين، خاصة أنها ملتزمة وحافظة لكتاب الله، وأنها فتاة شجاعة، في أقسى ظروف معاناتها يغمى عليها، وترجع تطمئننا وتذكر الله تعالى، وتقول إن الله معي، وأني خدمت المرضى ودعواتهم ترافقني.

أريد تفسير هذه الحالة وكيفية علاجها، جزاكم الله خيرًا، وبم تنصحونني؟ فإنا والله في ضيق شديد لا يعلمه إلا الله!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه وشر، وأن يقيك وأختك وأهلك شر كل ذي شر، إنه جواد كريم.

أخي: جزاك الله خيرًا على حرصك على أختك، وعلى البحث عن سلامتها بما لا يخالف شرع الله، ونسأل الله أن يكتب لها الشفاء ولك الأجر، ونود منك وأنت تأخذ بالرقية الشرعية أن تعرضها على الأطباء المختصين، للتأكد من سلامتها بدنيا ونفسيًا، فأحيانًا يكون التعب في مكان، والبحث عنه في مكان آخر.

ثانيًا: هون على نفسك، فالأمر بسيط وعلاجه كذلك، فالجن لا يملك من أمره شيئًا، ولا يحرك متحركًا ولا يسكن ساكنًا إذا لم يأذن الله في ذلك، وقد أخبرنا الله -عز وجل- أنه ليس له سلطان على المؤمنين، وعليه فلا داعي للخوف منه أو القلق من تهديده.

ثالثًا: قد أحسنت حين انصرفت عن هؤلاء الرقاة الذين يجرونك إلى الشعوذة -عياذًا بالله-، وقد أحسنت حين حصرت التحصن في بيتك، خاصة وقد ذكرت أن أختك متدينة وقوية، ونحن هنا نوصيك وإياها بما يلي:

1- الاقتناع أولًا بأن الشافي المعافي هو الله، وأنه ليس لأحد سلطان عليك، وأن أمرك وأمرها بين يدي مولاك لا غير، وهنا تهدأ النفس ويستقر الفؤاد.

2- تحصين البيت بالأذكار، وقراءة القرآن، وخاصة سورة البقرة كل ليلة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم، ورواه الترمذي بلفظ: (وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة، لا يدخله الشيطان)، ورواه ابن حبان بلفظ: (فإن الشيطان ليفر من البيت، يسمع سورة البقرة تقرأ فيه).

قال المظهري في شرح المصابيح: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" يعني: لا تتركوا بيوتكم خالية من تلاوة القرآن، بل اقرؤوا في بيوتكم القرآن؛ فإن كل بيت لا يقرأ فيه القرآن يشبه المقابر في عدم قراءة القرآن.
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: يعني إذا قرأت في بيتك سورة البقرة، فإن الشيطان يفر منها، ولا يقرب البيت، والسبب أن في سورة البقرة (آية الكرسي).
فسورة البقرة متى ما قرئت في مكان، فر منه الشيطان.

ثالثًا: الرقية الشرعية هي الوسيلة الوحيدة للنجاة مما أنتم فيه، وأفضل راق للمريض هو نفسه ثم أهله، لكن إن اضطرت لراق فلا بد أن تعلم أن شروط الرقية الشرعية ما يلي:

1- أن تكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته، أو المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
2- أن تكون باللسان العربي وما يعرف معناه: فكل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به، فضلاً عن أن يدعو به ولو عرف معناه؛ لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يرخص لمن لا يحسن العربية، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعاراً فليس من دين الإسلام.
3- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.

فإذا كانت هذه الشروط الثلاثة مجتمعة في الرقية فهي الرقية الشرعية، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " رواه مسلم.

وسورة الفاتحة من أنفع ما يقرأ على المريض، وذلك لما تضمنته هذه السورة العظيمة من إخلاص العبودية لله، والثناء عليه -عز وجل-، وتفويض الأمر كله إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النعم، ولما ورد فيها من النصوص الخاصة بها.

رابعًا: أن استطعت الذهاب معها إلى عمرة فإن في هذا خيراً كثيراً لك ولها.

وأخيرًا: لا تقلق على أختك ما دامت متحصنة بالأذكار والتدين، والأمر سيزول -بإذن الله-، لكن يحتاج إلى صبر ومداومة على الأذكار.

نسأل الله أن يتم شفاؤها على خير، والله المستعان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً