الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
764 - وعن أبي هريرة رضى الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السدل في الصلاة . وأن يغطي الرجل فاه ، رواه أبو داود ، والترمذي .

التالي السابق


764 - ( وعن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السدل في الصلاة ) ، قيل : هو إرسال اليد ، وقيل : إرسال الثوب يصيب الأرض من الخيلاء ، وفي الفائق : السدل إرسال الثوب من غير أن يضم جانبيه ، وفي النهاية هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك ، وكانت اليهود تفعله في صلاتهم فنهى عن التشبه بهم ، قال القاضي : السدل منهي عنه مطلقا لأنه من الخيلاء ، وهو في الصلاة أشنع وأقبح ، وفي شرح المنية : السدل أن يضع الثوب على كتفه ويرسل أطرافه على عضديه أو صدره ، وقيل : أن يجعله على رأسه أو كتفه ويرسل أطرافه من جوانبه ، وفي فتاوى قاضي خان : هو أن يجعل الثوب على رأسه أو على عاتقه ، ويرسل جانبيه أمامه على صدره ، والكل سدل فإن السدل في اللغة : الإرخاء والإرسال ، وفي الشرع : الإرسال بدون المعتاد ، وكراهته لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه اهـ .

وحكمته والله أعلم اشتغال القلب ، بمحافظته والاحتياج بمعالجته ، ولهذا لو كان أحد طرفيه مغروزا أو مربوطا [ ص: 636 ] بطرف آخر بحيث لا يخاف عليه من الوقوع لا يكون مكروها ( وأن يغطي الرجل فاه ) ، أي : فمه في الصلاة ، كانت العرب يتلثمون بالعمائم ، ويجعلون أطرافها تحت أعناقهم ، فيغطون أفواههم كيلا يصيبهم الهواء المختلط من حر أو برد ، فنهوا عنه لأنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود ، وفي شرح السنة : إن عرض له التثاؤب جاز أن يغطي فمه بثوب أو يده ، لحديث ورد فيه ذكر الطيبي ، والفرق ظاهر ; لأن المراد من النهي استمراره بلا ضرورة ، ومن الجواز عروضه ساعة لعارض ، قال في شرح المنية : يكره للمصلي أن يغطي فاه أو أنفه ذكره قاضي خان ، إلا عند التثاؤب ، والأدب عند التثاؤب أن يكظمه ، أي : يمسكه ويمنعه من الانفتاح إن قدر على ذلك لقوله - عليه السلام - : ( إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع ) ، وفي رواية : ( فليمسك بيده ، على فمه فإن الشطيان يدخل فيه ) رواه مسلم ، وإن لم يقدر فلا بأس أن يضع يده أو كمه على فيه ، كذا روى عنه عليه الصلاة والسلام ، قيل : الأولى أن تكون يده اليسرى ; لأنها لدفع الأذى .

قلت : ولعل هذا في غير حالة القيام عند وضع اليدين ، فيضع ظهر يده اليمنى على فمه ، ( رواه أبو داود ، الترمذي ) : وفيه نظر لأنه ليس في الترمذي : وأن يغطي الرجل فاه ، كما يعلم من كلام صاحب التخريج قال : وقال الترمذي : لا يعرف من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعا إلا من حديث عسل ، وهو ابن سفيان التيمي اليربوعي ، كنيته أبو قرة ، ضعيف الحديث ، وقد رواه أبو داود من حديث سليمان الأعمش ، عن عطاء ، عن أبي هريرة مرفوعا أيضا ، نقله ميرك عن التصحيح .

وقال ابن حجر : رواه أبو داود بتمامه ، والترمذي شطره الأول ، وغيرهما ، وجزؤه الأخير صحيح كما مر ، وأما جزؤه الأول ، عن النهي عن السدل فضعفه كثيرون ، قال النووي : والمعتمد عليه في الاستدلال عموم النهي في الأحاديث الصحيحة عن إسبال الإزار ، ومن ثم قال أئمتنا : يكره إطالة الثوب عن الكعبين ، وإن لم يصب الأرض ما لم يقصد خيلاء ، وإلا حرم .




الخدمات العلمية