الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الكلام في كمية الكفن .

                                                                                                                                فنقول : أكثر ما يكفن فيه الرجل ثلاثة أثواب : إزار ، ورداء ، وقميص وهذا عندنا ، وقال الشافعي : لا يسن القميص في الكفن ، وإنما الكفن ثلاث لفائف ، واحتج بما روي عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة } ولنا ما روي عن { عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه قال : كفنوني في قميصي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه الذي توفي فيه } ، وهكذا روي عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب : أحدها القميص الذي توفي فيه } والأخذ برواية ابن عباس أولى من الأخذ بحديث عائشة ; لأن ابن عباس حضر تكفين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه وعائشة ما حضرت ذلك على أن معنى قولها : ليس فيه قميص أي : لم يتخذ قميصا جديدا .

                                                                                                                                وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " كفن المرأة خمسة أثواب ، وكفن الرجل ثلاثة ، " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ; ولأن حال ما بعد الموت يعتبر بحال حياته ، والرجل في حال حياته يخرج في ثلاثة أثواب عادة : قميص ، وسراويل ، وعمامة ، فالإزار بعد الموت قائم مقام السراويل في حال الحياة ; لأنه في حال حياته إنما كان يلبس السراويل لئلا تنكشف عورته عند المشي ، وذلك غير محتاج إليه بعد موته فأقيم الإزار مقامه ، ولذا لم يذكر العمامة في الكفن ، وقد كرهه بعض مشايخنا ; لأنه لو فعل ذلك لصار الكفن شفعا ، والسنة فيه أن يكون وترا ، واستحسنه بعض مشايخنا لحديث ابن عمر أنه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه ، بخلاف حال الحياة فإنه يرسل ذنب العمامة من قبل القفا ; لأن ذلك لمعنى الزينة ، وقد انقطع ذلك بالموت ، والدليل على أن السنة في حق الرجل ثلاثة أثواب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كفن في برد وحلة } والحلة اسم للزوج من الثياب ، والبرد اسم للفرد منها وأدنى ما يكفن فيه في حالة الاختيار [ ص: 307 ] ثوبان : إزار ورداء لقول الصديق : كفنوني في ثوبي هذين ; ولأن أدنى ما يلبسه الرجل في حال حياته ثوبان ، ألا ترى أنه يجوز له أن يخرج فيهما ويصلي فيهما من غير كراهة ، فكذا يجوز أن يكفن فيهما أيضا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية