الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  583 حدثنا أحمد قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع .

                                                  عن ابن عمر قال : لما طعن أبو لؤلؤة عمر ، طعنه طعنتين ، فظن عمر أن له ذنبا في الناس لا يعلمه ، فدعا ابن عباس وكان يحبه ، ويدنيه ، ويستمع منه ، فقال له : أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا ؟ فخرج ابن عباس ، فجعل لا يمر بملإ من الناس إلا وهم يبكون ، فرجع إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين : ما أتيت على ملإ من المسلمين إلا وهم يبكون ، كأنما فقدوا اليوم أبكار أولادهم . فقال : من قتلني ؟ قال : أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة . قال ابن عباس : فرأيت البشر في وجهه . فقال : " الحمد لله الذي لم يبتلني بقول أحد يحاجني بقول : لا إله إلا الله ، أما إني كنت قد نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحدا ، فعصيتموني . ثم قال : ادعوا لي إخواني " . قالوا : ومن ؟ قال : " عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص " . فأرسل إليهم ، ثم وضع رأسه في حجري ، فلما جاءوا ، قلت : هؤلاء قد حضروا . فقال : نعم ، نظرت في أمر المسلمين ، فوجدتكم [ ص: 345 ] أيها الستة رءوس الناس ، وقادتهم ، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم ما استقمتم يستقيم أمر الناس ، وإن يكن اختلاف يكن فيكم ، فلما سمعت ذكر الاختلاف ، والشقاق ظننت أنه كائن ، لأنه قل ما قال شيئا إلا رأيته ، ثم نزف الدم ، فهمسوا بينهم حتى خشيت أن يبايعوا رجلا منهم ، فقلت : إن أمير المؤمنين حي بعد ، ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الآخر . فقال : احملوني ، فحملناه ، فقال : تشاوروا ثلاثا . ويصلي بالناس صهيب . قال : من نشاور يا أمير المؤمنين ؟ فقال : شاوروا المهاجرين والأنصار ، وسراة من هنا من الأجناد . ثم دعا بشربة من لبن ، فشرب ، فخرج بياض اللبن من الجرحين ، فعرف أنه الموت ، فقال : الآن لو أن لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطلع ، وما ذاك والحمد لله إن أكون رأيت إلا خيرا . فقال ابن عباس : وإن قلت ذلك ، فجزاك الله خيرا ، أليس قد " دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة " ، فلما أسلمت كان إسلامك عزا ، وظهر بك الإسلام ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ، وهاجرت إلى المدينة ، فكانت هجرتك فتحا ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا ، ثم قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو عنك راض ، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فضربت من أدبر بمن أقبل حتى دخل الناس في الإسلام طوعا أو كرها ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض ، ثم وليت بخير ما ولي الناس ، مصر الله بك الأمصار ، وجبى بك الأموال ، ونفى بك [ ص: 346 ] العدو ، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسعهم في دينهم ، وتوسعهم في أرزاقهم ، ثم ختم لك بالشهادة ، فهنيئا لك . فقال : والله إن المغرور من تغرونه . ثم قال : أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة ؟ فقال : نعم . فقال : اللهم لك الحمد ، ألصق خدي بالأرض يا عبد الله ابن عمر فوضعته من فخذي على ساقي . فقال : ألصق خدي بالأرض ، فترك لحيته وخده حتى وقع بالأرض ، فقال : ويلك وويل أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك . ثم قبض رحمه الله . فلما قبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر ، فقال : لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمركم به من مشاورة المهاجرين والأنصار ، وسراة من هاهنا من الأجناد قال الحسن ـ وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه ـ فقال : هكذا المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وغرة ، والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إحسانا إلا ازداد مخافة وشفقة منه ، ولا وجدت فيما مضى ، ولا فيما بقي عبدا ازداد إساءة إلا ازداد غرة .

                                                  لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مبارك بن فضالة .

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية