الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6173 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني محمد بن معمر حدثنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9769 الحديث الثاني حديث أنس " يجاء بالكافر " ذكره من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد وهو ابن أبي [ ص: 411 ] عروبة كلاهما عن قتادة وساقه بلفظ سعيد وأما لفظ هشام فأخرجه مسلم والإسماعيلي من طرق عن معاذ بن هشام عن أبيه بلفظ " يقال للكافر " والباقي مثله وهو بضم أول يجاء ويقال وسيأتي بعد باب في " باب صفة الجنة والنار " من رواية أبي عمران الجوني عن أنس التصريح بأن الله سبحانه هو الذي يقول له ذلك ولفظه " يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول نعم ورواه مسلم والنسائي من طريق ثابت عن أنس وظاهر سياقه أن ذلك يقع للكافر بعد أن يدخل النار ولفظه " يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك ؟ فيقول شر مضجع فيقال له هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا ؟ فيقول نعم يا رب فيقال له كذبت ويحتمل أن يراد بالمضجع هنا مضجعه في القبر فيلتئم مع الروايات الأخرى

                                                                                                                                                                                                        قوله فيقال له ) زاد مسلم في رواية سعيد كذبت

                                                                                                                                                                                                        قوله قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك في رواية أبي عمران فيقول أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي وفي رواية ثابت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار قال عياض : يشير بذلك إلى قوله : - تعالى - وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن ومن لم يوف به فهو الكافر فمراد الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا الطلب والمعنى أمرتك فلم تفعل لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يريد واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد ؟ والجواب أن ذلك ليس بممتنع ولا مستحيل

                                                                                                                                                                                                        وقال المازري : مذهب أهل السنة أن الله - تعالى - أراد إيمان المؤمن وكفر الكافر ولو أراد من الكافر الإيمان لآمن يعني لو قدره عليه لوقع وقال أهل الاعتزال : بل أراد من الجميع الإيمان فأجاب المؤمن وامتنع الكافر فحملوا الغائب على الشاهد لأنهم رأوا أن مريد الشر شرير والكفر شر فلا يصح أن يريده الباري وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن الشر شر في حق المخلوقين وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء وإنما كانت إرادة الشر شرا لنهي الله عنه والباري سبحانه ليس فوقه أحد يأمره فلا يصح أن تقاس إرادته على إرادة المخلوقين وأيضا فالمريد لفعل ما إذا لم يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه والباري - تعالى - لا يوصف بالعجز والضعف فلو أراد الإيمان من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف تعالى الله عن ذلك

                                                                                                                                                                                                        وقد تمسك بعضهم بهذا الحديث المتفق على صحته والجواب عنه ما تقدم واحتجوا أيضا بقوله - تعالى - ولا يرضى لعباده الكفر وأجيبوا بأنه من العام المخصوص بمن قضى الله له الإيمان فعباده على هذا الملائكة ومؤمنو الإنس والجن وقال آخرون الإرادة معنى الرضا ومعنى قوله ولا يرضى أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم عليه فعلى هذا فهي صفة فعل وقيل معنى الرضا أنه لا يرضاه دينا مشروعا لهم وقيل الرضا صفة وراء الإرادة وقيل الإرادة تطلق بإزاء شيئين إرادة تقدير وإرادة رضا والثانية أخص من الأولى والله أعلم . وقيل الرضا من الله إرادة الخير كما أن السخط إرادة الشر وقال النووي : قوله " فيقال له كذبت " معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك فأبيت ويكون من معنى قوله - تعالى - : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله - تعالى - لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به . قال وفي الحديث من الفوائد جواز قول الإنسان يقول الله خلافا لمن كره ذلك ، وقال إنما يجوز قال الله - تعالى - وهو قول شاذ مخالف [ ص: 412 ] لأقوال العلماء من السلف والخلف وقد تظاهرت به الأحاديث وقال الله - تعالى - والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية