الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : الواو في ( ونحن ) للحال كما تقول : أتحسن إلى فلان وأنا أحق بالإحسان ، والتسبيح تبعيد الله تعالى من السوء وكذا التقديس ، من سبح في الماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ، واعلم أن التبعيد إن أريد به التبعيد عن السوء فهو التسبيح ، وإن أريد به التبعيد عن الخيرات فهو اللعن ، فنقول : التبعيد عن السوء يدخل فيه التبعيد عن السوء في الذات والصفات والأفعال ، أما في الذات فأن لا تكون محلا للإمكان ، فإن منع السوء وإمكانه هو العدم ، ونفي الإمكان يستلزم نفي الكثرة ، ونفيها يستلزم نفي الجسمية والعرضية ، ونفي الضد والند ، وحصول الوحدة المطلقة ، والوجوب الذاتي ، وأما في الصفات فأن يكون منزها عن الجهل فيكون محيطا بكل المعلومات ، وقادرا على كل المقدورات ، وتكون صفاته منزهة عن التغييرات ، وأما في الأفعال فأن لا تكون أفعاله لجلب المنافع ودفع المضار ، وأن لا يستكمل بشيء منها ، ولا ينتقص بعدم شيء منها ، فيكون مستغنيا عن كل الموجودات والمعدومات ، مستوليا بالإعدام والإيجاد على كل الموجودات والمعدومات ، وقال أهل التذكير : التسبيح جاء تارة في القرآن بمعنى التنزيه وأخرى بمعنى التعجب .

                                                                                                                                                                                                                                            أما الأول فجاء على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            ( أ ) أنا المنزه عن النظير والشريك ، هو الله الواحد القهار .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ب ) أنا المدبر للسماوات والأرض سبحان رب السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ج ) أنا المدبر لكل العالمين سبحان الله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                            ( د ) أنا المنزه عن قول الظالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ه ) أنا المستغني عن الكل سبحانه هو الغني .

                                                                                                                                                                                                                                            ( و ) أنا السلطان الذي كل شيء سوائي فهو تحت قهري وتسخيري ، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ز ) أنا العالم بكل شيء ، سبحان الله عما يصفون عالم الغيب .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ح ) أنا المنزه عن الصاحبة والولد سبحانه أنى يكون له ولد .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ط ) أنا المنزه عن وصفهم وقولهم ، سبحانه وتعالى عما يشركون ، عما يقولون ، عما يصفون .

                                                                                                                                                                                                                                            أما التعجب فكذلك :

                                                                                                                                                                                                                                            ( أ ) أنا الذي سخرت البهائم القوية للبشر الضعيف ، سبحان الذي سخر لنا هذا .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ب ) أنا الذي خلقت العالم وكنت منزها عن التعب والنصب ، سبحانه إذا قضى أمرا .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ج ) أنا الذي أعلم لا بتعليم المعلمين ولا بإرشاد المرشدين ، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا .

                                                                                                                                                                                                                                            ( د ) أنا الذي أزيل معصية سبعين سنة بتوبة ساعة ، فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ، ثم يقول : إن أردت رضوان الله فسبح ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، وإن أردت الفرج من البلاء فسبح ، لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، وإن أردت رضا الحق فسبح : ومن الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ، وإن أردت الخلاص من النار فسبح ، سبحانك فقنا عذاب النار ، أيها العبد واظب على تسبيحي ، فسبحان الله فسبح وسبحوه ، فإن لم تفعل تسبيحي فالضرر عائد إليك ؛ لأن لي من يسبحني ، ومنهم حملة العرش ( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون ) [فصلت : 38] ومنهم المقربون ( قالوا سبحانك أنت ولينا ) [سبأ : 41] ، ومنهم سائر الملائكة ( قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ) [الفرقان : 18] ومنهم الأنبياء كما قال ذو النون : ( لا إله إلا أنت سبحانك ) [الأنبياء : 87] وقال موسى : ( سبحانك تبت إليك ) [الأعراف : 143] والصحابة يسبحون في قوله : ( سبحانك فقنا عذاب النار ) [آل عمران : 191] والكل يسبحون ومنهم الحشرات والدواب والذرات ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [الإسراء : 44] وكذا الحجر والمدر والرمال والجبال والليل والنهار والظلمات والأنوار والجنة والنار والزمان والمكان والعناصر والأركان والأرواح والأجسام على ما قال : ( سبح لله ما في السماوات ) [الحديد : 1] ثم يقول : [ ص: 159 ] أيها العبد : أنا الغني عن تسبيح هذه الأشياء ، وهذه الأشياء ليست من الأحياء ، فلا حاجة بها إلى ثواب هذا التسبيح ، فقد صار ثواب هذه التسبيحات ضائعا وذلك لا يليق بي ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) [ص : 27] لكني أوصل ثواب هذه الأشياء إليك ليعرف كل أحد أن من اجتهد في خدمتي أجعل كل العالم في خدمته .

                                                                                                                                                                                                                                            والنكتة الأخرى اذكرني بالعبودية لتنتفع به لا أنا ( سبحان ربك رب العزة ) [الصافات : 180] فإنك إذا ذكرتني بالتسبيح طهرتك عن المعاصي ( وسبحوه بكرة وأصيلا ) [الأحزاب : 42] أقرضني ( وأقرضوا الله قرضا حسنا ) [الحديد : 18] وإن كنت أنا الغني حتى أرد الواحد عليك عشرة ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) [الحديد : 11] كن معينا لي وإن كنت غنيا عن إعانتك ( ولله جنود السماوات والأرض ) [الفتح : 4] وأيضا فلا حاجة بي إلى العسكر ( ولو يشاء الله لانتصر منهم ) [محمد : 4] لكنك إذا نصرتني نصرتك ( إن تنصروا الله ينصركم ) [محمد : 7] كن مواظبا على ذكري ( واذكروا الله في أيام معدودات ) [البقرة : 203] ولا حاجة بي إلى ذكرك ؛ لأن الكل يذكروني ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [لقمان : 25] لكنك إذا ذكرتني ذكرتك ( فاذكروني أذكركم ) [البقرة : 152] اخدمني : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم ) [البقرة : 21] لا لأني أحتاج إلى خدمتك فإني أنا الملك ( ولله ملك السماوات والأرض ) [آل عمران : 189] . ( ولله يسجد من في السماوات والأرض ) [الرعد : 15] ولكن انصرف إلى خدمتي هذه الأيام القليلة لتنال الراحات الكثيرة ( قل الله ثم ذرهم ) [الأنعام : 91] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية