الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  541 43 - (حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، أن ( عائشة ) أخبرته قالت: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء، وذلك قبل أن يفشو الإسلام، فلم يخرج حتى قال عمر: نام النساء والصبيان فخرج فقال لأهل المسجد حين خرج عليهم: ( ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال بعضهم: لم أر من تكلم على هذه الترجمة، فإنه ليس في الحديثين اللذين ذكرهما المؤلف في هذا الباب ما يقتضي اختصاص العشاء بفضيلة ظاهرة، وكأنه مأخوذ من قوله: (ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم)، فعلى هذا في الترجمة حذف، تقديره: باب فضل انتظار العشاء، (قلت): هذا القائل نفى أولا كلام الناس على هذه الترجمة، ثم ذكر شيئا ادعى أنه تفرد به، وهو ليس بشيء؛ لأن كلامه آل إلى أن الفضل لانتظار العشاء لا للعشاء، والترجمة في أن الفضل للعشاء، فنقول: مطابقته للترجمة من حيث إن العشاء عبادة قد اختصت بالانتظار لها من بين سائر الصلوات، وبهذا ظهر فضلها، فحسن قوله باب فضل العشاء.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ستة: كلهم ذكروا غير مرة، والليث هو ابن سعد، وعقيل - بضم العين - ابن خالد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وعروة بن الزبير بن العوام .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه الإخبار بتأنيث الفعل المفرد من الماضي، وفيه القول، وفيه عن عروة وعند مسلم في رواية يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عروة، وفيه رواية التابعي عن التابعي، عن الصحابية.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه) أخرجه البخاري أيضا في باب النوم قبل العشاء لمن غلب عليه، وهو الباب الذي يلي الباب الذي قبل الباب الذي نحن فيه، وأخرجه مسلم أيضا بإسناد الباب، ولفظ مسلم : (أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي بصلاة العشاء، وهي التي تدعى العتمة).

                                                                                                                                                                                  قال ابن شهاب : وذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وما كان لكم أن تبرزوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصلاة، وذلك حين صاح عمر - رضي الله تعالى عنه - قال ابن شهاب : ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة، قال: وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول. وأخرج مسلم من حديث أم كلثوم، عن عائشة : (أعتم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، وقال: إنه لوقتها، لولا أن يشق على أمتي).

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: (أعتم)؛ أي: دخل في العتمة، ومعناه: أخر صلاة العتمة. وذكر ابن سيده : العتمة: ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق. وقيل: عن وقت صلاة العشاء الآخرة. وقيل: هي بقية الليل، وفي (المصنف): حدثنا وكيع، حدثنا شريك، عن أبي فزارة، عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عمر : من أول من سماها العتمة؟ قال: الشيطان. قوله: (وذلك قبل أن يفشو الإسلام)؛ أي: قبل أن يظهر؛ يعني: في غير المدينة، وإنما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح مكة. قوله: (حتى قال عمر - رضي الله عنه - وفي رواية للبخاري تأتي من رواية صالح، عن ابن شهاب : (حتى ناداه عمر : الصلاة) بالنصب بفعل مضمر تقديره: صل الصلاة، ونحوها. قوله: (نام النساء والصبيان) أراد بهم الحاضرين في المسجد لا النائمين في بيوتهم، وإنما خص [ ص: 64 ] هؤلاء بالذكر؛ لأنهم مظنة قلة الصبر على النوم ومحل الشفقة والرحمة. قوله: (ما ينتظرها)؛ أي: الصلاة في هذه الساعة، وذلك إما أنه لا يصلى حينئذ إلا بالمدينة، وإما لأن سائر الأقوام ليست في أديانهم صلاة في هذا الوقت. قوله: (غيركم) بالرفع صفة لأحد، ووقع صفة للنكرة؛ لأنه لا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة، لتوغله في الإبهام، اللهم إلا إذا أضيف إلى المشتهر بالمغايرة، ويجوز أن يكون بدلا من لفظ أحد، ويجوز أن ينتصب على الاستثناء.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) فيه: أن قوله: (أعتم ليلة) يدل على أن غالب أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تقديم العشاء، وفيه جواز النوم قبل العشاء، وهو الذي بوب عليه البخاري باب النوم قبل العشاء لمن غلب، وفيه الدلالة على فضيلة العشاء، كما بيناها في أول الباب، وفيه جواز الإعلام للإمام بأن يخرج للصلاة إذا كان في بيته، وفيه لطف النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وتواضعه حيث لم يقل شيئا عند مناداة عمر - رضي الله عنه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية