الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا مرت الخادم بين يدي المصلي فقال : سبحان الله أو أومأ بيده ليصرفها لم تقطع صلاته ) لما روينا { أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار على زينب فلم تقف وقال صلى الله عليه وسلم إذا نابت أحدكم نائبة فليسبح ، فإن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء } قال في الكتاب وأحب إلي أن لا يفعل معناه ولا يجمع بين التسبيح والإشارة باليد ، فإن له بأحدهما كفاية فمنهم من قال : المستحب أن لا يفعل شيئا من ذلك ، وتأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في وقت كان العمل فيه مباحا في الصلاة ، فإن أستأذن عليه إنسان فسبح وأراد إعلامه أنه في الصلاة لحديث { علي رضي الله عنه كان لي مدخلان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم بأيهما شئت دخلت ، فكنت إذا أتيت الباب ، فإن لم يكن في الصلاة فتح الباب فدخلت ، وإن كان في الصلاة رفع صوته بالقراءة فانصرفت } ولأنه قصد بهذا صيانة ، ولو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط في القراءة ، وإن أخبر بخبر يسوءه فاسترجع لذلك ، فإن أراد جوابه قطع صلاته ، وإن لم يرد جوابه لم يقطع ; لأن مطلق الكلام محمول على قصد التكلم ، فإذا أراد به الجواب كان جوابا ، ومعنى استرجاعه [ ص: 201 ] أعينوني فإني مصاب ، ولو صرح بهذا لم يشكل فساد صلاته فكذلك إذا أراده بالاسترجاع ، وإذا أخبر بخبر يسره فقال : الحمد لله ، أو أخبر بما يتعجب منه فقال : سبحان الله ، وأراد جواب المخبر فقد قطع صلاته عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف التحميد وأشباه ذلك لا يقطع الصلاة ، وإن أراد به الجواب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما هي للتسبيح والتهليل وقراءة القرآن } فما تلفظ به شرعت الصلاة لأجله ، فلو فسدت صلاته إنما تفسد بنيته ، ومجرد نية الكلام غير مفسد . ولم يذكر خلاف أبي يوسف في مسألة الاسترجاع ، والأصح أن الكل على الخلاف ، ومن سلم قال : الاسترجاع إظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله ، والتحميد إظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله .

( ولنا ) قوله عليه الصلاة والسلام : { من سبح من غير غضب ولا عجب فله من الأجر كذا } وإنما جعله مسبحا إذا لم يقصد به التعجب فثبت له أنه إذا قصد به التعجب كان متعجبا لا مسبحا ، وهذا لأن الكلام مبني على غرض المتكلم ، فمن رأى رجلا اسمه يحيى وبين يديه كتاب فقال : يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأراد به خطابه لم يشكل على أحد أنه متكلم لا قارئ ، وإذا قيل للمصلي : بأي موضع مررت فقال : ببئر معطلة وقصر مشيد وأراد الجواب لا يشكل أنه متكلم به ، وإذا أنشد شعرا فيه ذكر اسم الله لم يشكل أنه كان منشدا لا ذاكرا حتى تفسد صلاته ، فكذلك فيما نحن فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية