الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ من الكلام على ما يديره ربه أو يحتكره بنفسه شرع يتكلم على ما يديره ربه أو يحتكره عامله فقال ( والقراض الحاضر ) ببلد ربه ولو حكما بأن علم حاله في غيبة ( يزكيه ربه ) أي تجب زكاته عليه زكاة إدارة فيزكي رأس ماله وحصته من الربح وأما العامل فإنما يزكي حصته من الربح بعد المفاصلة لسنة كما يأتي ( إن أدارا ) أي رب القراض والعامل ( أو ) أدار ( العامل ) وحده فيقوم ما بيده ويد العامل في الأولى وما بيد العامل فقط في الثانية [ ص: 478 ] وسواء كان ما بيده مساويا لما بيد رب المال أو أكثر أو أقل لأن المنظور إليه مال القراض في ذاته ( من غيره ) أي يزكيه من غير مال القراض لا منه لئلا ينقص القراض والربح يجبره وهو نقص على العامل إلا أن يرضى العامل ( وصبر ) ربه بزكاته ولو سنين ( إن غاب ) المال ولم يعلم حتى يعلمه ويرجع إليه ولا يزكيه العامل إلا أن يأمره ربه بذلك أو يؤخذ بها فتجزيه ويحسب العامل على ربه من رأس المال ثم إذا حضر المال فلا يخلو حاله في السنين السابقة على سنة الحضور إما أن يكون مساويا لها أو زائدا عنها أو ناقصا فأشار لذلك بقوله ( فيزكي لسنة الفصل ) أي عن سنة الحضور ولو لم يحصل مفاصلة ( ما فيها ) من قليل أو أكثر ثم إن كان ما قبلها مساويا لها زكاه على حكمه ولوضوحه تركه وإن كان أزيد منها فأشار له بقوله ( وسقط ما زاد قبلها ) لأنه لم يصل له ولم ينتفع به ويبدأ في الإخراج سنة الفصل ثم بما قبلها وهكذا أو يراعي تنقيص الأخذ النصاب ( وإن نقص ) ما قبلها فيها ( فلكل ) من السنين الماضية ( ما فيها ) [ ص: 479 ] كما إذا كان في الأولى مائة وفي الثانية مائة وخمسين وفي الثالثة مائتين ( و ) إن كان ما قبلها ( أزيد ) مما فيها ( وأنقص ) منه كما إذا كان فيها أربعمائة وفي التي قبلها مائتين وفي التي قبلها خمسمائة ( قضي بالنقص على ما قبله ) فيزكي سنة الفصل عن أربعمائة وعن اللتين قبلها مائتين مائتين لأن الزائد لم يصل لرب المال ولا انتفع به .

التالي السابق


( قوله والقراض الحاضر ) أي ومال القراض الحاضر يزكيه ربه أي كل سنة قبل المفاصلة بدليل ما بعده من غيره إن كان كل من العامل ورب المال مديرا أو كان العامل وحده مديرا لكن في الأولى يقوم المالك ما بيده وما بيد العامل من رأس المال وحصة المالك من الربح ويزكي عنهما وفي الثانية يقوم المالك ما بيد العامل فقط رأس المال وحصته من الربح ويزكيهما وأما حصة العامل من الربح في الصورتين فإنما تزكى لسنة واحدة بعد المفاصلة .

هذا حاصل كلام الشارح ثم إن ما ذهب إليه المصنف من أن رب المال يزكيه كل عام قبل المفاصلة أحد أقوال ثلاثة وهو طريقة لابن يونس وعزاه اللخمي لابن حبيب كما في المواق قال في التوضيح وهو ظاهر المذهب قال طفى لا أدري كيف يكون ظاهر المذهب مع كون ابن رشد لم يعرج عليه والثاني وهو المعتمد أنه لا يزكى إلا بعد المفاصلة ويزكى حينئذ للسنين الماضية كلها كالغائب فيأتي فيه قوله فزكي لسنة الفصل ما فيها إلخ وهذا القول هو الذي اقتصر عليه ابن رشد وعزاه لقراض المدونة والواضحة ولرواية أبي زيد وسماع عيسى قول ابن القاسم وعزاه اللخمي لابن القاسم وسحنون كما ذكره ابن عرفة قال طفى وقد اشتهر عند الشيوخ أنه لا يعدل عن قول ابن القاسم مع سحنون والثالث أنه لا يزكي إلا بعد المفاصلة ولكن يزكي لسنة واحدة كالدين حكاه ابن بشير وابن شاس انظر التوضيح ا هـ بن ( قوله فإنما يزكي حصته من الربح بعد المفاصلة لسنة ) نحوه للمواق عن ابن يونس والذي لابن رشد في البيان والمقدمات زكاته لكل عام أيضا بعد المفاصلة إن أدار أو العامل ( قوله إن أدارا إلخ ) تقدم أن المدير لا بد في وجوب الزكاة عليه أن ينض له ولو درهما فهل إذا كان كل من العامل ورب المال مديرا يكفي النضوض لأحدهما وإذا أدار العامل فقط فلا بد أن ينض له شيء وهو ظاهر ما لابن عبد السلام أم لا قاله الشيخ أحمد الزرقاني وقال اللقاني يشترط النضوض فيمن له الحكم ا هـ شيخنا عدوي ( قوله وحده ) أي وكان رب القراض محتكرا ( قوله فيقوم ) أي رب المال ما بيده كل سنة وقوله ويد العامل أي وما بيد العامل من رأس المال وحصة المالك من الربح أي وبعد أن يقوم هذه الأمور الثلاثة يزكي عنها وقوله في الأولى أي إن أدار والمراد بالثانية ما إذا أدار العامل وحده ( قوله وما بيد العامل فقط ) أي من رأس المال وحصة المالك من الربح ويزكي عنهما وأما حصة العامل من الربح فلا تقوم في الحالتين لأن العامل إنما يزكيها بعد المفاصلة لسنة على ما تقدم [ ص: 478 ] للشارح ( قوله وسواء كان ما بيده إلخ ) هذا الإطلاق صرح به ابن رشد كما في المواق وهو الصواب كما قال ابن عرفة وأما تقييد بعض الشراح بقوله محل كون ربه يزكيه كل عام إن أدار العامل فقط إن كان ما بيده من مال ربه أكثر وما بيد ربه المحتكر أقل فخلاف الصواب انظر بن ( قوله من غيره ) قال الرجراجي زكاته من عند ربه أو من المال مشكل لأن في إخراجها من غيره أي من عند رب المال زيادة في القراض وفي إخراجها من مال القراض نقص منه وكل من الزيادة في القراض والنقص منه ممنوع وقد سبق الرجراجي بهذا الإشكال ابن يونس وأجاب عنه بأن الزيادة التي لا تجوز هي التي تصل ليد العامل وينتفع بها وهذه بخلاف ذلك وحينئذ فلا إشكال في إخراجها من عند ربه ا هـ نقله ح عند قوله وهل عبيده كذلك ( قوله والربح يجبره ) أي والحال أن الربح يجبر النقص والحاصل فيه ( قوله إلا أن يرضى العامل ) أي بإخراج زكاته منه أي ويحسبه ربه على نفسه وإلا منع ( قوله ولم يعلم ) أي من بقاء أو تلف ومن ربح أو خسر ( قوله ولا يزكيه العامل ) أي لاحتمال دين ربه أو موته فإن وقع وزكاه ربه قبل علمه بحاله فالظاهر الإجزاء ثم إن تبين زيادة المال على ما زكى أخرج عن الزيادة وإن تبين نقصه عما أخرج رجع بها ربه على الفقير إن كانت باقية بيده وإلا فلا رجوع له قاله المسناوي وارتضاه بن معترضا على عبق في قوله إن تبين نقص عما أخرج فالظاهر أنه لا يرجع به على من دفعه له ولو كان باقيا بيده لأنه مفرط بإخراجه قبل علم قدره قوله ( أو يؤخذ بها ) أي أو يأخذها السلطان منه قهرا عنه ( قوله ثم إذا حضر المال ) أي وإذا صبر ربه بزكاته أعواما لغيبته وعدم علمه بحاله ثم حضر المال فلا يخلو حاله إلخ ( قوله أما أن يكون ) أي في السنين الماضية وقوله مساويا لها أي لسنة الحضور ( قوله وإن لم يحصل مفاصلة ) أي انفصال أحدهما من الآخر ( قوله وسقط ما زاد قبلها ) أي وسقط عنه بالنسبة لزكاة ما قبلها ما زاد فيما قبلها يعني أن ما زاد في السنين الماضية عن سنة الحضور تسقط عنه زكاته لأنه لم يصل ليده ولو زكاه العامل عن ربه لم يرجع العامل بما أخرجه زكاه عليه ( قوله ويبدأ في الإخراج بسنة الفصل ) هذا ظاهر المصنف واعترضه طفى بأن الذي قاله ابن رشد وغيره أنه يبدأ بالأولى فالأولى فإذا كان المال في أول سنة أربعمائة دينارا وفي الثانية ثلاثمائة وفي الثالثة وهي سنة الحضور مائتين وخمسين فإنه يزكي عن الأولى في المثال المذكور عن مائتين وخمسين ويسقط عنه في السنة الثانية والثالثة ما نقصته الزكاة فيما قبلها قلت والظاهر كما قاله بعض الشيوخ أن المآل واحد سواء بدأ بالسنة الأولى أو سنة المفاصلة ومثل هذا يقال في بقية الصور ا هـ بن ( قوله ويراعى ) أي في غير سنة الفصل تنقيص الأخذ النصاب أي ويراعى أيضا تنقيصه لجزء الزكاة فالأول كما لو كان عنده أحد وعشرون دينارا فغاب بها العامل خمس سنين ووجدت بعد الحضور كما هي فيبدأ بالعام الأول في الإخراج فما بعده ويراعي تنقيص الأخذ النصاب وحينئذ فلا يزكي عن الأعوام الثلاث والثاني كأن يكون المال في العام الأول أربعمائة وفي الثاني ثلاثمائة وفي الثالث وهو العام الذي حضر فيه مائتين وخمسين فإذا زكى عنها لعام الفصل وأخرج ستة دنانير وربعا زكى عن العام الذي قبله عن مائتين وخمسين إلا ستة دنانير وربعا التي أخرجها زكاة عن عام الفصل وزكى عن العام الأول عن مائتين وخمسين إلا اثني عشر دينارا ونصف دينار تقريبا ولا يقال إن اعتبار تنقيص الأخذ للنصاب أو لجزء الزكاة مقيد بما إذا لم يمكن له ما يجعل في مقابلة دين الزكاة وإلا فيزكي عن الجميع كل عام كما هو المعهود في دين الزكاة لأنا نقول لا يجري ذلك هنا لأن هذا لم يقع فيه تفريط فلم يتعلق بالذمة بل بالمال فيعتبر نقصه مطلقا ويدل على عدم تعلقها بالذمة وعلى اعتبار النقص مطلقا قوله وسقط ما زاد قبلها وما ذكره ح عن ابن القاسم وغيره من أنه إن [ ص: 479 ] تلف قبل عام المفاصلة فلا زكاة ا هـ بن ( قوله كما إذا كان في الأولى مائة إلخ ) أي فيزكي عن مائتين ثم عن مائة وخمسين ثم عن مائة ولا يتأتى إذا زكى عن كل سنة ما فيها اعتبار تنقيص الأخذ النصاب ولا تنقيصه لجزء الزكاة ( قوله وإن كان ما قبلها أزيد مما فيها وأنقص ) أي وإن كان ما قبل سنة الانفصال بعضه أزيد مما فيها وبعضه أنقص منه ( قوله قضى بالنقص على ما قبله ) هذا ظاهر فيما إذا تقدم الأزيد على الأنقص كما في مثال الشارح وأما إن تقدم الأنقص على الأزيد كما لو كان في سنة الفصل أربعمائة وفي التي قبلها خمسمائة وفي التي قبلها مائتين فإنه يزكي عن أربعمائة لسنة الفصل ولما قبلها ويزكي عن مائتين للعام الأول .




الخدمات العلمية