الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 370 ] كتاب السرقة باب ما يجب فيه القطع من كتاب الحدود وغيره .

( قال الشافعي ) رحمه الله القطع في ربع دينار فصاعدا لثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قطع سارقا في أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار قال مالك : هي الأترجة التي تؤكل .

( قال الشافعي ) وفي ذلك دلالة على قطع من سرق الرطب من طعام وغيره إذا بلغت سرقته ربع دينار وأخرجها من حرزها ، والدينار هو المثقال الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقطع إلا من بلغ الاحتلام من الرجال والحيض من النساء أو أيهما استكمل خمس عشرة سنة وإن لم يحتلم أو لم تحض ، وجملة الحرز أن ينظر إلى المسروق فإن كان الموضع الذي سرق منه ينسبه العامة إلى أنه حرز في مثل ذلك الموضع قطع إذا أخرجها من الحرز وإن لم ينسبه العامة إلى أنه حرز لم يقطع ورداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه فقطع عليه السلام سارق ردائه .

( قال الشافعي ) رحمه الله إذا ضم متاع السوق إلى بعض في موضع تبايعاه وربط بحبل أو جعل الطعام في حبس وخيط عليه قطع وهكذا يحرز ، وإذا كان يقود قطار إبل أو يسوقها وقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها شيئا قطع وإن أناخها حيث ينظر إليها في صحراء أو كانت غنما فآواها إلى مراح فاضطجع حيث ينظر إليها فهذا حرزها ، ولو ضرب فسطاطا وآوى فيه متاعه فاضطجع فسرق الفسطاط والمتاع من جوفه قطع ; لأن اضطجاعه حرز له ولما فيه إلا أن الأحراز تختلف فيحرز كل بما تكون العامة تحرز مثله .

ولو اضطجع في صحراء ووضع ثوبه بين يديه أو ترك أهل الأسواق متاعهم في مقاعد ليس عليها حرز لم يضم ولم يربط أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضي على الطريق غير مقطورة أو أباتها بصحراء ولم يضطجع عندها أو ضرب فسطاطا فلم يضطجع فيه فسرق من هذا شيء لم يقطع ; لأن العامة لا ترى هذا حرزا والبيوت المغلقة حرز لما فيها ، وإن سرق منها شيء فأخرج بنقب أو فتح باب أو قلعة قطع وإن كان البيت مفتوحا لم يقطع وإن أخرجه من البيت والحجرة إلى الدار والدار للمسروق منه وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار ; لأنها حرز لما فيها ، وإن كانت مشتركة وأخرجه من الحجرة إلى الدار فليست الدار بحرز لأحد من السكان فيقطع ولو أخرج السرقة فوضعها في بعض النقب وأخذها رجل من خارج لم يقطع واحد منهما وإن رمى بها فأخرجها من الحرز قطع ، وإن كانوا ثلاثة فحملوا متاعا فأخرجوه معا يبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن نقص شيئا لم يقطعوا وإن أخرجوه متفرقا فمن أخرج ما يساوي ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار لم يقطع . ولو نقبوا معا ثم أخرج بعضهم ولم يخرج بعض قطع المخرج خاصة .

وإن سرق سارق ثوبا فشقه أو شاة فذبحها في حرزها ثم أخرج ما سرق فإن بلغ ربع دينار قطع وإلا لم يقطع ، ولو كانت قيمة ما سرق ربع دينار ثم نقصت القيمة فصارت أقل من ربع دينار ثم زادت القيمة فإنما أنظر إلى الحال التي خرج بها من الحرز ولو وهبت له لم أدرأ بذلك عنه الحد .

وإن سرق عبدا صغيرا لا يعقل أو أعجميا من حرز قطع وإن كان يعقل لم يقطع وإن سرق مصحفا أو سيفا أو شيئا مما يحل ثمنه قطع ، وإن أعار رجلا بيتا فكان يغلقه دونه فسرق منه رب البيت قطع ويقطع العبد آبقا وغير آبق ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر ; لأن هذا حرز مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية