الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1060 الأصل

[ 267 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله، لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة" ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها حلل فأعطى عمر منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله، كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم أكسكها لتلبسها" فكساها عمر أخا له مشركا بمكة.


التالي السابق


الشرح

عطارد المذكور في متن الحديث تميمي ويروى الخبر أو نحو منه من روايته.

والحديث صحيح أخرجه الشيخان وأقرانهما في كتبهم من رواية مالك.

والحلة: ثوبان رداء وإزار سميا حلة؛ لأن أحدهما يحل على [ ص: 495 ] الآخر، ولا يقال للثوب الواحد حلة.

وقوله: حلة سيراء الأظهر في الكلمة الإضافة، ومنهم من يقول: حلة سيراء على الصفة، وذكر أن السيراء: الحرير الصافي، والمعنى حلة حرير، وعن مالك: أن السيراء وشي من حرير، وقال الخطابي: السيراء: ضرب من البرود سمي به لما فيه من الخطوط التي تشبه السيور، وفي الصحاح: أنه برد فيه خطوط صفر.

وفيه دليل على أنه يستحب لمن أتى الجمعة أن يلبس أحسن ما يجد من ثيابه، وأنه يحسن أن يشتري الأجود إذا لم يكن عنده، وأنه لا بأس بالشرى لهذا الغرض؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على ما قاله عمر - رضي الله عنه - من هذه الوجوه؛ وإنما تعرض لمانع اللبس في تلك الحلة، وعلى أنه يحسن التجمل للوفود لإكرامهم ولغير ذلك من الأغراض الصحيحة وعلى أنه إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة، وهذا ظاهر على تفسير من فسر السيراء بحرير، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - في آنية الذهب والفضة: فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وأما على قول من فسر بضرب من البرود فيجوز أن يكون امتناعه لكونها من ثياب الشهرة والزينة وقد ورد النهي عن لبس ما يشهر من الثياب، وعلى أن ثياب الحرير لا يمنع من بيعها وشرائها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على قول عمر: لو اشتريت هذه وأيضا ففي بعض الروايات أنها كانت تباع عند باب المسجد، وعلى أن الأدب لمن أعطاه كبير ملبوسا أن يلبسه، ولذلك قال عمر - رضي الله عنه - كسوتنيها وقد قلت ما قلت كأنه يقول: كان من حقي أن ألبسها إذا أعطيتنيها وكيف ألبسها وقد قلت في مثلها ما قلت.

وفي قوله: كسوتنيها [ ص: 496 ]

وقوله: لم أكسكها لتلبسها ما بين أن من أعطى غيره كسوة صح أن يقال: كساه وإن لم يلبس، وفيه أنه يجوز الإحسان والإهداء إلى المشرك، وأن شرك القريب لا يمنع من البر إليه.




الخدمات العلمية