الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 575 ] ( فلو ) كان ( جارحا ) كباز ( فقتل حمام الحرم فلا شيء عليه ) لفعله ما وجب عليه ( فلو باعه رد المبيع إن بقي وإلا فعليه الجزاء ) لأن حرمة الحرم والإحرام تمنع بيع الصيد

( ولو أخذ حلال صيدا فأحرم ضمن مرسله ) من يده الحكمية اتفاقا ، ومن الحقيقية عنده خلافا لهما ، وقولهما استحسان كما في البرهان [ ص: 576 ] ( ولو أخذه محرم لا ) يضمن مرسله اتفاقا لأن المحرم لم يملكه ، وحينئذ فلا يأخذه ممن أخذه ( والصيد لا يملكه المحرم بسبب اختياري ) كشراء وهبة ( بل ) بسبب ( جبري ) والسبب الجبري في إحدى عشر مسألة مبسوطة في الأشباه فلذا قال تبعا للبحر عن المحيط ( كالإرث ) وجعله في الأشباه بالاتفاق ، لكن في النهر عن السراج أنه لا يملكه بالميراث وهو الظاهر

التالي السابق


( قوله فلو كان جارحا ) تفريع على قوله وجب إرساله .

والجارح : من الصيد ما له ناب أي مخلب يصيد به ( قوله لفعله ما وجب عليه ) وهو إرساله لا على قصد الاصطياد ، والمسألة مفروضة فيما إذا دخل به الحرم ، وهذا مؤيد لما قلنا من أن من دخل الحرم بصيد وجب عليه إرساله بمعنى إطارته لأنه صار من صيد الحرم ، وليس له إيداعه وإلا لكان الواجب الإيداع في الجوارح دون الإرسال لأن الجوارح عادتها قتل الصيد فيكون متعديا بإرساله في الحرم ( قوله فلو باعه ) مفرع أيضا على قوله وجب إرساله والضمير فيه للصيد الذي أخذه حلال ثم أحرم أو دخل به الحرم لأن في قوله رد المبيع إلخ إشارة إلى أن البيع فاسد لا باطل كما نص عليه في الشرنبلالية عن الكافي والزيلعي ، بخلاف ما لو أخذ الصيد وهو محرم وباعه فإن بيعه باطل كما سيذكره ، وأطلق في البيع فشمل ما إذا باعه في الحرم أو بعدما أخرجه إلى الحل لأنه صار بالإدخال من صيد الحرم فلا يحل إخراجه بعد ذلك ، كذا عزاه في البحر إلى الشارحين ; ثم نقل عن المحيط خلافه من جواز البيع والأكل بعد الإخراج مع الكراهة ، لكن ذكر في النهر أنه ضعيف .

قلت : لكن هذا إذا لم يؤد جزاءه بعد الإخراج ، أما لو أداه فإنه يملكه ويخرج عن كونه صيد الحرم كما يأتي في مسألة الظبية .

ثم إن هذا أيضا مؤيد لما قلناه من أنه إذا دخل الحرم بصيد ليس له أن يرسله إلى الحل وديعة لما علمت من أنه لا يحل إخراجه بل عليه إرساله في الحرم ، وأما ما مر من أنه لا يخرج عن ملكه بهذا الإرسال فله أخذه في الحل وله أخذه ممن أخذه ; ومقتضاه أن له بيعه وأكله أيضا ، فلا ينافي ما هنا لأن ذاك فيما لو أرسله وخرج الصيد بنفسه بخلاف ما إذا أخرجه . قال في اللباب : ولو خرج الصيد من الحرم بنفسه حل أخذه وإن أخرجه أحد لم يحل فافهم ( قوله وإلا ) أي وإن لم يبق المبيع في يد المشتري ، بأن أتلفه أو تلف أو غاب المشتري ولا يمكن إدراكه ط عن أبي السعود ( قوله فعليه الجزاء ) تقدم قريبا بيانه وأن الصوم في صيد الحرم لا يجوز للحلال ويجوز للمحرم ( قوله لأن حرمة الحرم ) أي فيما لو أدخل الصيد الحرم ثم باعه فيه أو بعدما أخرجه لكونه صار صيد الحرم فيمتنع بيعه مطلقا كما مر فافهم ، وقوله والإحرام : أي فيما لو أخذه ثم أحرم ( قوله ولو أخذ حلال ) أي في الحل لباب ، وقوله ضمن مرسله لأن الآخذ ملك الصيد ملكا محترما فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه ، بخلاف ما أخذه في حالة الإحرام لأنه لا يملكه والواجب عليه ترك التعرض ، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته ، فإذا قطع يده عنه كان متعديا هداية ، ومقتضى هذا مع ما قدمناه أنه لو دخل به الحرم فأرسله أحد لا يضمن المرسل لأن الآخذ يلزمه إرساله وإن كان ملكه ، ولا يمكنه تخليته في بيته فلم يكن المرسل متعديا تأمل ( قوله وقولهما استحسان ) وجهه أن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر وما على المحسنين من سبيل - . مطلب لا يجب الضمان بكسر آلات اللهو

قال في الهداية : ونظيره الاختلاف في كسر المعازف أي آلات اللهو كالطنبور . وقال في البحر : وهو يقتضي أن يفتى بقولهما هنا لأن الفتوى على قولهما في عدم الضمان بكسر المعازف . ا هـ . قال ط : وأشار الشارح إلى ذلك [ ص: 576 ] لأن الفتوى على الاستحسان إلا فيما استثني من مسائل قليلة ( قوله لم يملكه ) لأن الصيد لم يبق محلا للتملك في حق المحرم ، فصار كما إذا اشترى الخمر هداية ( قوله بل بسبب جبري ) هو ما يحصل به الملك بلا اختيار وقبول ( قوله والسبب الجبري ) أتى به ظاهرا . ولم يقل وهو ليفيد أن المراد مطلق السبب لا بقيد كونه في الصيد أفاده ط ( قوله في إحدى عشر ) حق العبارة إحدى عشرة لأنه تجب المطابقة فيه بتأنيث الجزأين لتأنيث المعدود ( قوله مبسوطة في الأشباه ) لا حاجة إلى ذكرها هنا ، وقد ذكرها المحشي ( قوله فلذا قال إلخ ) الأولى أن يقول ومثل للجبري تبعا للبحر بقوله إلخ ط .

( قوله وجعله في الأشباه بالاتفاق ) حيث قال : لا يدخل في ملك أحد شيء بغير اختياره إلا الإرث اتفاقا إلخ ( قوله لكن في النهر إلخ ) هذا الاستدراك ليس في محله لأن كلام الأشباه كما رأيت مطلق لا يتقيد بهذه الصورة ، ولا شك في الاتفاق على كون الإرث مطلقا سببا جبريا ، وإنما لم يكن سببا في صورة المحرم إذا مات مورثه عن صيد على كلام السراج لقيام المانع ، وهو الإحرام كقيام الموانع الأربعة : أي الرق ، والكفر ، والقتل ، واختلاف الملك ; فكما لا يقدح قيام تلك الموانع في سببية الإرث لا يقدح هذا فيها . ا هـ . ح وإن جعل استدراكا على المتن كان في محله ط ( قوله : وهو الظاهر ) هذا من كلام النهر حيث قال وهو الظاهر لما سيأتي : أي من كون الصيد محرم العين على المحرم ، ولم يظهر لي وجه ظهوره ، إذ بعد تحقق سبب الإرث وهو موت المورث لا بد من قيام نص يدل على كون الإحرام مانعا من إرث الصيد كقيامه على الموانع الأربعة وكون الصيد محرم العين على المحرم بقوله تعالى - { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } - ولذا لو منع من سائر التصرفات لا يدل على منع إرثه . فإن الجمرة محرمة العين أيضا وتورث .




الخدمات العلمية