الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              616 [ 323 ] وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا.

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 372 و 485 )، ومسلم ( 408 )، وأبو داود ( 1530 )، والترمذي ( 485 )، والنسائي ( 3 \ 50 ) .

                                                                                              [ ص: 40 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 40 ] (11) ومن باب : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                              قوله " أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ! فكيف نصلي عليك ؟ " ، هذا سؤال من أشكل عليه كيفية ما فهم جملته ، وذلك أنه عرف الصلاة وتحققها من لسانه إلا أنه لم يعرف كيفيتها ، فأجيب بذلك . وفي قوله " أمرنا " دليل على أن المندوب يدخل تحت الأمر ، وقد تقدم اشتقاق الصلاة ، وهي منا دعاء ومن الله تعالى رحمة ومن الملائكة ثناء ، وقد قيل : إن صلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه عند ملائكته .

                                                                                              وقوله " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " ، اختلف في آله من هم ؟ فقيل أتباعه ، وقيل أمته ، وقيل آل بيته ، وقيل أتباعه من رهطه وعشيرته ، وقيل آل الرجل نفسه ; ولهذا كان الحسن يقول : اللهم صل على آل محمد . واختلف النحويون : هل يضاف الآل إلى المضمر أم لا يضاف إلا إلى الظاهر ؟ فذهب النحاس والزبيدي والكسائي إلى أنه لا يقال إلا : اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا يقال : وآله. قالوا : والصواب وأهله . وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك يقال - منهم ابن السيد ، وهو الصواب ; لأن السماع الصحيح يعضده ، فإنه قد جاء في قول عبد المطلب :

                                                                                              [ ص: 41 ]

                                                                                              لا هم إن العبد يمـ نـــع رحله فامنع حلالك وانصر على آل الصليـ
                                                                                              ــب وعابديه اليوم آلك

                                                                                              وقال قدامة :


                                                                                              أنا الفارس الحامي حقيقة والدي وآلي كما تحمي حقيقة آلكا


                                                                                              وغير ذلك من كلام العرب ، وهو كثير .

                                                                                              وقوله " وبارك " من البركة ، وهي هنا الزيادة من الخير والكرامة ، وأصلها من البروك وهو الثبوت على الشيء ، ومنه : بركت الإبل . ويجوز أن تكون البركة هنا بمعنى التطهير والتزكية ; كما قال تعالى : رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت [ هود :73 ] ثم اختلف أرباب المعاني في فائدة قوله " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم " على تأويلات كثيرة ، أظهرها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ذلك لنفسه وأهل بيته لتتم النعمة عليهم والبركة ، كما أتمها على إبراهيم وآله . وقيل : بل سأل ذلك لأمته ليثابوا على ذلك ، وقيل : ليبقى له ذلك دائما إلى يوم الدين ، ويجعل له به لسان صدق في الآخرين ; كما جعله لإبراهيم . وقيل : كان ذلك قبل أن يعرف - عليه الصلاة والسلام - بأنه أفضل ولد آدم . وقيل : بل سأل أن يصلي عليه صلاة يتخذه بها خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، وقد أجابه الله واتخذه خليلا ; كما جاء في الصحيح : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر [ ص: 42 ] خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الرحمن . وقد جاء أنه حبيب الرحمن - ذكره الترمذي ، فهو الخليل وهو الحبيب . وقد اختلف العلماء أيهما أشرف ؟ أو هما سواء ؟ واختلف هل يدعى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغير الصلاة والسلام ، فيقال مثلا : اللهم ارحم محمدا أو اغفر لمحمد ؟ أو لا يقال ذلك ؟ فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى منع ذلك. وأجاز ذلك أبو محمد بن أبي زيد ، والصحيح جوازه ، فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة . واختلف : هل يصلى على غير الأنبياء ، فيقال : اللهم صل على فلان ؟ فكره ذلك مالك ; لأنه لم يكن من عمل من مضى ، بل ذكر عن مالك رواية شاذة أنه لا يصلى على أحد من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي متأولة عليه بأنا لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء . وذهبت طائفة إلى جواز ذلك على المؤمنين ; لقوله تعالى : هو الذي يصلي عليكم [ الأحزاب :43 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : اللهم صل على آل أبي أوفى . وانفصل الفريق الآخر بأن هذا صدر من الله ورسوله ، ولهما أن يقولا ما أرادا بخلاف غيرهما الذي هو محكوم عليه . والذي أراه ما صار إليه مالك ; لقوله تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ النور :63 ] وينضاف إلى ذلك أن أهل البدع قد اتخذوا ذلك شعارا في الدعاء لأئمتهم وأمرائهم ، ولا يجوز التشبه بأهل البدع ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله " والسلام كما قد علمتم " رويناه مبنيا للفاعل وللمفعول ، فالفاعل : هم العالمون ، وللمفعول هم المفلحون من جهته - صلى الله عليه وسلم - بالتشهد وغيره ، ويعني بذلك : قوله في التشهد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .




                                                                                              الخدمات العلمية