الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال الأستاذ الإمام : بعد ما جاء بالوعد والوعيد في الآية السابقة جاء بهذه الآية معطوفة بالفاء فهو يقول : إذا كان الله لا يضيع من عمل عامل مثقال ذرة ، فكيف يكون حال الناس إذا جمعهم الله ، وجاء بالشهداء عليهم وهم الأنبياء فما من أمة إلا ولها بشير ونذير ! .

                          هذه الشهادة هي التي غفل عنها الناس وبكى لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ; إذ أمر بعض الصحابة بأن يقرأ عليه شيئا من القرآن وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الناس بالقرآن .

                          هذه الشهادة يوم يجمع الله الناس مع أنبيائهم هي عبارة عن مقابلة عقائدهم ، وأخلاقهم وأعمالهم بعقائد الأنبياء ، وأعمالهم وأخلاقهم .

                          تعرض أعمال كل أمة على نبيها لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين وسائر أتباع الأنبياء ، فمن شهد لهم نبيهم بعد معرفة أعمالهم وظهورها ، بأنهم على ما جاء به وعمل وأمر الناس بالعمل به فهم الناجون .

                          إن كل أمة من أتباع الأنبياء تدعي اتباع نبيها ، وإن كانت قلوبهم مملوءة بالحقد والحسد والغل ، وأعمالهم كلها شرور أو مفاسد عليهم وعلى الناس ، فهؤلاء يتبرأ الأنبياء منهم وإن ادعوا هم اتباعهم والانتماء إليهم .

                          وقد اختلفوا في المراد بقوله : على هؤلاء شهيدا قيل : إن المراد به شهادة خاتم المرسلين على المرسلين قبله فهم يشهدون على أممهم ، وهو يشهد عليهم ، وقيل : هي شهادته على أمته وهذا هو الموافق لقوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ( 2 : 143 ) ، والخطاب للمؤمنين في عصر التنزيل ، وقد تقدم في تفسيره أن هذه الأمة تكون بسيرتها شهيدة على الأمم السابقة ، وحجة عليها في انحرافها عن هدي المرسلين ، وأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يكون بسيرته العالية وسنته المعتدلة حجة على المفرطين والمفرطين من أمته اتباعا للبدع الطارئة والتقاليد المحدثة من بعده ، فراجع تفصيل ذلك في أول الجزء الثاني من التفسير ، وأما الحديث الذي أشار إليه الأستاذ فهو ما روى أحمد والبخاري في صحيحه ، والترمذي والنسائي ، وغيرهم من حديث ابن مسعود أنه قال : قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اقرأ علي ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : نعم ، أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأت [ ص: 90 ] سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد إلخ ، فقال : حسبك الآن ، فإذا عيناه تذرفان فليت شعري هل يعتبر المسلمون بهذا وهم المشهود عليهم كما اعتبر الشهيد الأعظم فيبكون لتذكر ذلك اليوم كما بكى ، ويستعدون باتباع سنته ، واجتناب جميع البدع والتقاليد الدينية التي لم تكن في عهده ، لأن يكونوا كأصحابه أمة وسطا لا تفريط عندها في الدين ، ولا إفراط لا في أمور الجسد ولا في أمور الروح ، أم يظلون سادرين في غلوائهم ، مقلدين لآبائهم ؟ ألا يعلمون كيف يكون حال الكافرين والعاصين في ذلك اليوم ؟

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية