الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  837 2 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزأين الأخيرين من الترجمة تفهم من الجواب عن اعتراض أبي عبد الملك المذكور . ورجاله قد تكرر ذكرهم على هذا النسق . وهذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ، ولفظ مسلم : " إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " وفي رواية له : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " . وأخرجه الترمذي ، ولفظه : " من أتى الجمعة فليغتسل " . وأخرجه النسائي عن قتيبة عن مالك نحو رواية البخاري سندا ومتنا ، وفي لفظ له مثل رواية مسلم الثانية ، وفي لفظ نحو لفظ البخاري ، وفي لفظ : " إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل " . وأخرجه ابن ماجه ولفظه : " عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : من أتى الجمعة فليغتسل " . وفي رواية لابن حبان في صحيحه ، وأبي عوانة في مستخرجه : " من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل " . ورواه ابن خزيمة بزيادة : " ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء " . وأخرجه البزار من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الجمعة فليغتسل " ، وروى البزار أيضا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الجمعة فليغتسل " . وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا يوم عيد جعله الله للناس ، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل " . وروى الطبراني من حديث أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " الحديث .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه

                                                                                                                                                                                  قوله : “ إذا جاء أحدكم الجمعة " ظاهره أن يكون الغسل عقيب المجيء ، لأن الفاء للتعقيب ، ولكن ليس ذلك المراد ، وإنما المعنى إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل ، وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع ، ولفظه : " إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " ونظير ذلك قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله تقديره : إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، والظاهرية قالوا بظاهره في القراءة وهاهنا لم يقولوا به لظاهر رواية الليث المذكورة ، وقال الكرماني : " إذا جاء أحدكم " علم منه أن الغسل إنما هو للمجموع ، وهذا عام للصبي وللنساء أيضا . ( فإن قلت ) : من أين يستفاد العموم ؟ ( قلت ) : من لفظ الأحد المضاف . ( فإن قلت ) : ما وجه دلالته على شهودهما وهذه شرطية فلا يدل على وقوع المجيء . ( قلت ) : لفظة " إذا " لا تدخل إلا فيما كان وقوعه مجزوما به ، انتهى . ( قلت ) : هذا الذي قاله بناء على أنه فهم من الاستفهام في الترجمة الجزم بالحكم وليس كذلك على ما قررناه . قوله : " إذا جاء " المراد بالمجيء هو أن يحضر إلى الصلاة أو إلى المكان الذي تقام فيه الجمعة ، وذكر المجيء باعتبار الغالب ، وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه )

                                                                                                                                                                                  احتجت به الظاهرية على أن الأمر فيه للوجوب ، وليس كذلك ، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب ، وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته ، لما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " كان الناس مهنة أنفسهم ، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في مهنتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم " وسيأتي هذا في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ، وبعض أصحابنا قالوا : إن الحديث المذكور منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل " . واعترض بأنه ضعيف ، فكيف يحكم أن الصحيح منسوخ به . قلت : هذا الحديث روي من سبعة أنفس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وهم : سمرة بن جندب ، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة ، فذكره . وأنس عند ابن ماجه والطحاوي والبزار والطبراني . وأبو سعيد الخدري عند البيهقي والبزار . وأبو هريرة عند البزار وابن عدي . وجابر عند ابن عدي في الكامل . وعبد الرحمن بن سمرة عند الطبراني . وابن عباس عند البيهقي في سننه . وقال الترمذي : حديث حسن . واختلف في سماع الحسن عن سمرة ، فعن ابن المديني إمام هذا الفن : أنه سمع منه مطلقا . ولئن سلمنا ما قاله المعترض فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم ، كذا [ ص: 166 ] قاله البيهقي وغيره . وقال المحققون من أصحابنا : إن حديث الكتاب خبر الواحد ، فلا يخالف الكتاب ، لأنه يوجب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس عند القيام إلى الصلاة مع وجود الحدث ، فلو وجب الغسل لكان زيادة على الكتاب بخبر الواحد ، وهذا لا يجوز لأنه يصير كالنسخ ، فافهم . قلت : إذا حملنا الأمر فيه على الاستحباب توفيقا بين الحديثين لا يحتاج حينئذ إلى شيء آخر . وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه : ومما يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة فضيلة على الاختيار لا على الوجوب ، حديث عمر ، حيث قال لعثمان : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة ! فلو علما أن أمره على الوجوب لم يترك عمر عثمان حتى يرده ويقول له ارجع فاغتسل . وقال ابن دقيق العيد : في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة . واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور ، قالوا : يجزئ من بعد الفجر ، انتهى . قلت : قال صاحب الهداية : ثم هذا الغسل - أي : غسل يوم الجمعة - للصلاة عند أبي يوسف - يعني لا يصل له الثواب إلا إذا صلى صلاة الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل بعد الجمعة أو أول اليوم وانتقض ثم توضأ وصلى ، لا يكون مدركا لثواب الغسل . وهو الصحيح ، واحترز به عن قول الحسن بن زياد ، فإنه قال : لليوم إظهارا لفضيلته . وبقوله قال داود ، وفي المبسوط وهو قول محمد ، وفي المحيط وهو رواية عن أبي يوسف ، فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان ، وقيل : تظهر الفائدة أيضا في هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا ، أو عبدا أو امرأة أو ممن لا يجب عليه الجمعة ، وهذا بعيد ، لأن المقصود منه إزالة الرائحة الكريهة كيلا يتأذى الحاضرون بها ، وذلك لا يتأتى بعدها ، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة ، وجامع ثم اغتسل ، ينوب عن الكل ، وفي صلاة الجلابي : لو اغتسل يوم الخميس ، أو ليلة الجمعة ، استن بالسنة لحصول المقصود ، وهو قطع الرائحة الكريهة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية