الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  878 43 - حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم ، كما تفعلون الآن .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله ، وهم خمسة : الأول : عبيد الله بتصغير العبد ابن عمر بن ميسرة البصري أبو سعيد القواريري ، والقواريري بالقاف نسبة لمن يعمل القوارير أو يبيعها ، الثاني : خالد بن الحارث بن سليم الهجيمي البصري مات سنة ست وثمانين ومائة ، ومر ذكره في باب استقبال القبلة ، الثالث : عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي ، الرابع : نافع مولى ابن عمر ، الخامس : عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن نصف رواته بصري ، والنصف الآخر مدني .

                                                                                                                                                                                  ذكر من أخرجه غيره : أخرجه مسلم في الصلاة عن القواريري ، وأبي كامل فضيل بن الحسين الجحدري ، وأخرجه الترمذي فيه عن حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث ، وروى أحمد ، والبزار ، وأبو يعلى ، والطبراني من رواية الحجاج بن أرطاة عن الحكم " عن مقسم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [ ص: 219 ] كان يخطب يوم الجمعة قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم ، ثم يخطب " اللفظ لأحمد ، وأبي يعلى ، قوله : “ ثم يقعد " أي : بعد الخطبة الأولى ، ثم يقوم للخطبة الثانية .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه الإخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخطب قائما ، قال شيخنا في ( شرح الترمذي ) : فيه اشتراط القيام في الخطبتين إلا عند العجز ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد في رواية ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : لا يدل الحديث على الاشتراط ، غاية ما في الباب أنه يدل على السنية ، وفي ( التوضيح ) القيام للقادر شرط لصحتها ، وكذا الجلوس بينهما عند الشافعي رضي الله تعالى عنه وأصحابه ، فإن عجز عنه استخلف ، فإن خطب قاعدا أو مضطجعا للعجز جاز قطعا كالصلاة ، ويصح الاقتداء به حينئذ ، وعندنا وجه أنها تصح قاعدا للقادر ، وهو شاذ ، نعم ، هو مذهب أبي حنيفة ، ومالك وأحمد كما حكاه النووي عنهم ، قاسوه على الأذان .

                                                                                                                                                                                  وحكى ابن بطال عن مالك كالشافعي ، وعن ابن القصار كأبي حنيفة ، ونقل ابن التين عن القاضي أبي محمد أنه مسيء ، ولا يبطل حجة الشافعي حديث الباب . قلت : حديث الباب لا يدل على الاشتراط ، واستدل بعضهم للشافعي رضي الله تعالى عنه بما في ( صحيح مسلم ) أن كعب بن عجرة دخل المسجد ، وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا ، فقال : انظروا إلى هذا الخطيب يخطب قاعدا ، وقال تعالى : وتركوك قائما وفي ( صحيح ابن خزيمة ) " قال كعب : ما رأيت كاليوم قط ، إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس ! يقول ذلك مرتين " ، وأجيب عنه بأن إنكار كعب عليه إنما هو لتركه السنة ، ولو كان القيام شرطا لما صلوا معه مع ترك الفرض .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : روى مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من رواية سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : كانت للنبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ، ويذكر الناس ، وفي رواية " كان يخطب قائما ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب قائما ، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة " .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا محمول على المبالغة ; لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل في نيف وأربعين سنة ، وهذا القدر لم يصله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن قلت : قال النووي : المراد الصلوات الخمس لا الجمع ; لأنه غير ممكن . قلت : سياق الكلام ينافي هذا التأويل ; لأن الكلام في الجمع لا في الصلوات الخمس ، واحتجوا أيضا بما ذكره ابن أبي شيبة عن طاوس قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان قياما ، وأول من جلس على المنبر معاوية ، قال الشعبي : حين كثر شحم بطنه ولحمه ، ورواه ابن حزم عن علي رضي الله تعالى عنه أيضا ، والجواب عنه وعن كل حديث ورد فيه القيام في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن قوله : وتركوك قائما بأن ذلك إخبار عن حالته التي كان عليها عند انفضاضهم ، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يواظب على الشيء الفاضل مع جواز غيره ، ونحن نقول به ، ومن أقوى الحجج لأصحابنا ما رواه البخاري " عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله " ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وحديث سهل " مري غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية