الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  859 24 - حدثنا مسدد قال : حدثنا إسماعيل قال : أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي قال : حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت : أشهد أن محمدا رسول الله ، فلا تقل حي على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم ، فكأن الناس استنكروا ، قال : فعله من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة : والكلام في هذا الحديث قد مر في باب الكلام في الأذان مستوفى ; لأنه أخرجه هناك عن مسدد عن حماد عن أيوب ، وعبد الحميد بن دينار صاحب الزيادي ، وعاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث ، قال : خطبنا ابن عباس في يوم ردغ ، الحديث ، وهنا أخرجه عن مسدد أيضا عن إسماعيل بن علية إلى آخره ، قوله : “ في يوم مطير " قوله : “ فكأن الناس استنكروا " أي : استنكروا ، قوله : “ فلا تقل حي على الصلاة . قل : صلوا في بيوتكم " وفي رواية الحجبي كأنهم أنكروا ذلك ، وفي باب الكلام في الأذان : فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، أي : نظر إنكار ، قوله : “ فقال " أي : ابن عباس ، قوله : “ فعله " أي : فعل ما قلته للمؤذن ، قوله : “ من هو خير مني " أراد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قوله : “ عزمة " بسكون الزاي ، أي : واجبة متحتمة .

                                                                                                                                                                                  وقال الإسماعيلي : قوله : " إن الجمعة عزمة " لا أظنه صحيحا ، فإن أكثر الروايات بلفظ إنها عزمة ، أي : إن كلمة الأذان ، وهي حي على الصلاة عزمة ; لأنها دعاء إلى الصلاة يقتضي لسامعه الإجابة ، ولو كان المعنى : إن الجمعة عزمة لكانت [ ص: 196 ] عزيمة لا تزول بترك بقية الأذان ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : كأن الإسماعيلي إنما استشكل هذا بالنظر إلى معنى العزيمة ، وهو ما يكون ثابتا ابتداء غير متصل بمعارض ، ولكن المراد بقول ابن عباس : وإن كانت الجمعة عزيمة ، ولكن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة ، وهذا مذهب ابن عباس أن من جملة الأعذار لترك الجمعة المطر ، وإليه ذهب ابن سيرين ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وهو قول أحمد وإسحاق ، وقالت طائفة : لا يتخلف عن الجمعة في اليوم المطير ، وروى ابن قانع قيل لمالك : أنتخلف عن الجمعة في اليوم المطير ؟ قال : ما سمعت ، قيل له : في الحديث : ألا صلوا في الرحال ، قال : ذلك في السفر .

                                                                                                                                                                                  وقد رخص في ترك الجمعة بأعذار أخر غير المطر ، روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يتخلف عنها لجنازة أخ من إخوانه لينظر في أمره .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حبيب عن مالك : وكذا إن كان له مريض يخشى عليه الموت ، وقد زار ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ابنا لسعد بن زيد ذكر له شكواه فأتاه إلى العقيق ، وترك الجمعة ، وهو مذهب عطاء والأوزاعي .

                                                                                                                                                                                  وقال الشافعي في أمر الوالد إذا خاف فوات نفسه .

                                                                                                                                                                                  وقال عطاء : إذا استصرخ على أبيك يوم الجمعة ، والإمام يخطب فقم إليه ، واترك الجمعة .

                                                                                                                                                                                  وقال الحسن : يرخص ترك الجمعة للخائف .

                                                                                                                                                                                  وقال مالك في ( الواضحة ) : وليس على المريض والصحيح الفاني جمعة .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو مجلز : إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حبيب : أرخص صلى الله عليه وسلم في التخلف عنها لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة ; لما في رجوعه من المشقة لما أصابهم من شغل العيد ، وفعله عثمان رضي الله تعالى عنه لأهل الغوالي ، واختلف قول مالك فيه ، والصحيح عند الشافعية السقوط ، واختلف في تخلف العروس والمجذوم حكاه ابن التين ، واعتبر بعضهم شدة المطر ، واختلف عن مالك : هل عليه أن يشهدها ، وكذا روي عنه فيمن يكون مع صاحبه فيشتد مرضه : لا يدع الجمعة إلا أن يكون في الموت .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ أن أحرجكم " من الإحراج بالحاء المهملة ، وبالجيم من الحرج ، وهو المشقة ، والمعنى إني كرهت أن أشق عليكم بإلزامكم السعي إلى الجمعة في الطين والمطر ، ويروى " أن أخرجكم " من الإخراج بالخاء المعجمة من الخروج ، ويروى " كرهت أن أؤثمكم " ، أي : أن أكون سببا لاكتسابكم الإثم عند ضيق صدوركم ، قوله : “ في الدحض " بفتح الدال والحاء المهملتين ، وفي آخره ضاد معجمة ، ويجوز تسكين الحاء ، وهو الزلق ، قال في ( المطالع ) : كذا في رواية الكافة ، وعند القابسي بالراء ، وفسره بعضهم بما يجري في البيوت من الرحاضة ، وهو بعيد إنما الرحض الغسل ، والمرحاض خشبة يضرب بها الثوب ليغسل عند الغسل .

                                                                                                                                                                                  وأما ابن التين فإنه ذكره بالراء قال : وكذا لأبي الحسن ، ورحضت الشيء غسلته ، ومنه المرحاض ، أي : المغتسل فوجهه أن الأرض حين يصيبها المطر تصير كالمغتسل ، والجامع بينهما الزلق .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية