الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وخنزير ) بكسر الخاء لأنه أسوأ حالا من الكلب لأنه لا يقتنى بحال ، ولأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه ومنصوص على تحريمه ولا ينتقض بالحشرات ونحوها إذ لا تقبل الانتفاع والاقتناء ، بخلاف الكلب والخنزير فإن كلا منهما يقبل أن ينتفع به ، وجاز ذلك في الكلب وامتنع في الخنزير لما تقدم ، واستدل على نجاسته بقوله تعالى { أو لحم خنزير فإنه رجس } إذ المراد جملته لأن لحمه دخل في عموم الميتة ، وقد بينا وجه ذلك في شرح العباب ( وفرعهما ) أي فرع كل منهما تبعا لأصله وتغليبا للنجاسة ، ويدخل في ذلك ولد الولد لأنه فرع بالواسطة وإن سفل ، وسواء أكان النجس أبا أم أما إذ القاعدة أن الفرع يتبع الأب في النسب ، والأم في الرق والحرية وأشرفهما في الدين ، وإيجاب البدل وتقرير الجزية [ ص: 238 ] وأخفهما في عدم وجوب الزكاة ، وأخسهما في النجاسة وتحريم الذبيحة والمناكحة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 237 ] قوله : مندوب إلى قتله ) ظاهره ولو كان عقورا ، لكن في العباب في باب البيع وجوب قتل العقور وجواز قتل غيره سم على منهج ( قوله : أن الفرع يتبع الأب إلخ ) وقد نظم ذلك بعضهم فقال : يتبع الفرع في انتساب أباه والأم في الرق والحرية والزكاة الأخف والدين الأعلى
                                                                                                                            والذي اشتد في جزاء وديه وأخس الأصلين رجسا وذبحا
                                                                                                                            ونكاحا والأكل والأضحيه ( قوله : والأم في الرق ) قد يشمل بإطلاقه الموطوءة بالملك مع أن الولد لا يتبعها في الرق قب ( قوله : وأشرفهما في الدين ) مقتضاه أن المتولد بين كتابي ووثني ومجوسي كتابي لأنه أشرف ، ولا ينافيه تحريم نكاح المتولدة بينهما لجواز أن ذلك احتياطا للنكاح مع كونها كتابية ، ولا يلزم من كونها كتابية حل المناكحة فليتأمل ، فإنه قد يشكل عليه عطف قوله وإيجاب البدل عليه في المتولد المذكور فإنه لو كان كتابيا لما احتيج لذكره .

                                                                                                                            وقد يجاب بأن ذكره ليدخل ما لو تولد صيد بين أهلي ووحشي ، فإنه إذا قتله المحرم يجب فيه البدل ، وحكمه لا يعلم من تبعية الأشرف في الدين .

                                                                                                                            قال حج رحمه الله : وقضية ما تقرر من الحكم بتبعيته الأخس لأبويه أن الآدمي المتولد بين آدمي أو آدمية ومغلظ له حكم المغلظ في سائر أحكامه وهو واضح في النجاسة ونحوها ، وبحث طهارته نظرا لصورته بعيد من كلامهم ، بخلافه في التكليف لأن مناطه العقل ، ولا ينافيه نجاسة عينه للعفو عنها بالنسبة إليه ، بل وإلى غيره نظير ما يأتي في الوشم ولو بمغلظ إذا تعذرت إزالته فيدخل المسجد ويماس الناس ولو مع الرطوبة ويؤمهم لأنه لا يلزمه إعادة .

                                                                                                                            ومال الإسنوي إلى عدم حل مناكحته ، وجزم به غيره لأن في أحد أصليه ما لا يحل رجلا كان أو امرأة ولو لمن هو مثله وإن استويا في الدين ، وقضية ما يأتي في النكاح من أن شرط حل التسري حل المناكحة أنه لا يحل له وطء أمته بالملك أيضا ، لكن لو قيل باستثناء هذا إذا تحقق العنت لم يبعد ا هـ .

                                                                                                                            وانظر لو كانت أنثى وتحققت العنت فهل يحل لها التزوج أم لا لأنه يمتنع على الغير نكاحها ، لأن في أحد أصولها ما لا يحل نكاحه ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني للعلة المذكورة فيتعذر تزويجها ، ويجب عليها الصبر ومنع نفسها عن الزنا بقدر الإمكان .

                                                                                                                            وكتب سم على قول حج : ولو آدميا تغليبا للنجس هو كما قال : وإن قلنا بطهارة آدمي تولد بين آدمي [ ص: 238 ] أو آدمية ومغلظ فمحله فيما ذكر ما إذا لم يكن على صورة الآدمي خلافا للشارح ، والقياس أنه لا يكلف حينئذ وإن تكلم وميز وبلغ مدة بلوغ الآدمي إذ هو بصورة الكلب : أي والخنزير والأصل عدم آدميته ، ولو مسخ آدمي كلبا فينبغي طهارته استصحابا لما كان وهو ظاهر على ما يأتي في التنبيه ، وأطال في ذلك فليراجع .

                                                                                                                            وكتب سم على قول حج نظير ما يأتي في الوشم يتأمل ، فإنه لم يذكر فيما سيأتي في الوشم تصريحا بالعفو بالنسبة لغيره إذا مسه مع الرطوبة بلا حاجة .

                                                                                                                            وقد يؤيد عدم العفو في أنه لو مس نجاسة معفوة على غيره مع الرطوبة بلا حاجة فالظاهر أنه يتنجس إلا أن يفرق ا هـ سم .

                                                                                                                            قال حج : قال بعضهم : ولو وطئ آدمي بهيمة فولدها الآدمي ملك لمالكها وهو مقيس ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ولا يحل أكله وإن كانت أمه مأكولة ، لأن المتولد بين مأكول وغيره لا يحل أكله .

                                                                                                                            وبقي ما لو وطئ خروف آدمية فأتت بولد فحكمه أنه ليس ملكا لصاحب الخروف ، ثم إن كانت أمه حرة فهو حر تبعا لها ، وإن كانت رقيقة فهو ملك لمالكها ، ومع ذلك ينبغي أن لا يجزئ في الكفارة تبعا لأخس أصليه ، كما لا يجزئ المتولد بين ما يجزئ في الأضحية وغيره فيها ، بل لعل هذا أولى منه بعدم الإجزاء لانتفاء اسم الآدمي عنه وإن كان على صورته فتنبه له ولا تغتر بما يخالفه فإنه دقيق .

                                                                                                                            وبقي أيضا ما لو تولد بين مأكولين ما هو على صورة الآدمي وصار مميزا عاقلا هل تصح إمامته وبقية العبادات منه وهل يجوز ذبحه وأكله أم لا ؟ وإذا مات هل يعطى حكم الآدمي أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يقال بصحة إقامته وسائر عباداته ، وأنه يعد من الأربعين في الجمعة لأنها منوطة بالعقل ، وقد وجد أنه يجوز ذبحه وأكله لأنه مأكول تبعا لأصليه ، وأنه لا يعطى حكم الآدمي في شيء من الأحكام لا في الحياة ولا في الممات ، وقد يقال : لا يحسب من الأربعين لأنه ليس من جنس من تنعقد بهم الجمعة ، ويؤيد هذا التردد في أن الجمعة هل تنعقد من الجن بحيث يحسبون من العدد مع أنهم مكلفون بالاتفاق باختلافهم في الانعقاد بهم مع الاتفاق على تكليفهم يعلم منه بالأولى عدم حسبانهم من العدد وإن قلنا بتكليفهم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 237 ] قوله : لأنه ) أي الكلب ( قوله : فدل إيماؤه للعلة بأن ) أي بكسر همزة إن وتشديد نونها ( قوله : ولا ينتقض ) أي التعليل بأنه لا يقتنى ( قوله : إذ لا تقبل الانتفاع والاقتناء ) المراد بالانتفاع هنا ما يرادف الاقتناء فعطفه عليه عطف تفسير ، إذ الحشرات ينتفع بها في الخواص ( قوله : المراد جملته ) أي : فالإضافة بيانية كما صرح به الماوردي الذي هو أصل من استدل بذلك ( قوله : أي فرع كل منهما ) أي مع الآخر أو مع حيوان طاهر ، وقوله تبعا لأصله يصح تعليلا لهما [ ص: 238 ] وأما قوله : وتغليبا للنجاسة لا يصح إلا تعليلا للثاني




                                                                                                                            الخدمات العلمية