الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا امتنع استعماله ) أي الماء ( في عضو ) من محل طهارته لجرح أو كسر أو مرض فلم يرد بامتناعه تحريمه بل امتناع وجوب استعماله ، ويصح أن يريد به تحريمه أيضا عند غلبة ظنه حصول المحذور بالطريق المتقدم ، فالامتناع على بابه و مراده بالعضو الجنس ، وخرج به امتناع استعماله في جميع أعضاء طهارته فإنه يكفيه التيمم ( إن لم يكن ) عليه ( ساتر وجب التيمم ) لئلا يبقى محل العلة بلا طهارة ويلزمه إمرار التراب ما أمكن على محل العلة إن كان بمحل التيمم ولم يخش محذورا مما مر وعرف التيمم بالألف واللام إشارة للرد على من ذهب إلى أنه يمر التراب على المحل المعجوز عنه [ ص: 284 ] ( وكذا غسل الصحيح على المذهب ) ولو بأجرة فاضلة عما مر في نظيره في صفة الوضوء ببل خرقة وعصرها لتنغسل تلك المحال بالمتقاطر ، فإن تعذر أمسه ماء بلا إفاضة ، ويدل لذلك ما روي في حديث عمرو بن العاص { أنه غسل معاطفه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم } قال البيهقي : معناه أنه غسل ما أمكنه وتيمم للباقي ، ومقابل المذهب في وجوب غسله القولان فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه ، وفهم من كلام المصنف أنه لا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن لم يخف منه ، وهو ما نقله الرافعي عن الأئمة لأن الواجب إنما هو الغسل .

                                                                                                                            نعم يظهر استحبابه ولا يلزمه أن يضع ساترا على العليل ليمسح على الساتر إذ المسح رخصة فلا يناسبها وجوب ذلك ( ولا ترتيب بينهما ) أي بين التيمم وغسل الصحيح ( للجنب ) ونحوه من حائض ونفساء ومن طلب منه غسل مسنون لأن التيمم بدل عن غسل العليل والمبدل لا يجب فيه الترتيب فكذلك بدله .

                                                                                                                            ورد القول بوجوب تقديم غسل الصحيح ، كوجوب تقديم ماء لا يكفيه بأن التيمم هنا للعلة وهي مستمرة وهناك لعدم الماء ، فأمر باستعماله أولا ليصير عادما ويحمل [ ص: 285 ] النص القائل بأنه يبدأ بالتيمم على الاستحباب ليذهب الماء أثر التراب ( فإن كان محدثا ) حدثا أصغر ( فالأصح اشتراط التيمم وقت غسل العليل ) لاشتراط الترتيب في طهارته فلا ينتقل عن عضو حتى يكمله غسلا وتيمما عملا بقضية الترتيب ، فلو كانت العلة في اليد فالواجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه ، وله تقديمه على غسل الصحيح وهو الأولى ليزيل الماء أثر التراب وتأخيره عنه وتوسطه ، إذ العضو الواحد لا ترتيب فيه ولو كانت العلة في وجهه تيمم عنه قبل غسل اليدين .

                                                                                                                            ويسن للجنب ونحوه تقديم التيمم أيضا كما في المجموع عن الشافعي رحمه الله والأصحاب .

                                                                                                                            قال الإسنوي : ولقائل أن يقول : الأولى تقديم ما ندب تقديمه في الغسل ، فإن كانت جراحته في رأسه غسل ما صح منه ثم تيمم عن جريحه ثم غسل باقي جسده وما بحثه ظاهر لا معدل عنه .

                                                                                                                            والثاني يجب تقديم غسل المقدور عليه من الأعضاء كلها لما مر في الجنب .

                                                                                                                            والثالث يتخير إن شاء قدم التيمم على المغسول وإن شاء أخر ( فإن جرح عضواه فتيممان ) يجبان بناء على الأصح وهو اشتراط التيمم وقت غسل العليل لتعدد العليل ، فلو كانت العلة في وجهه ويده تيمم في الحدث الأصغر تيممين : تيمما عن الوجه قبل الانتقال إلى اليد ، وتيمما عن اليد قبل الانتقال لمسح الرأس ، وله الموالاة بين التيممين بعد فراغ الوجه ولو وجدت العلة في أعضائه الأربعة ولم تعمها فثلاث تيممات واحد عن وجهه وآخر عن يديه وآخر عن رجليه ولا يحتاج إلى تيمم عن الرأس لأن مسح الصحيح منها يكفي وإن قل .

                                                                                                                            نعم لو عمتها الجراحة احتاج إلى تيمم رابع عنها ولو عمت العلة أعضاءه الأربعة كفاه تيمم واحد عن الوضوء ، فإن كان على كل عضو منها ساتر عمه وتمكن من رفع الساتر عن [ ص: 286 ] وجهه ويديه وجب عليه لأجل تيممه وإلا لم يجب التيمم ويصلي كفاقد الطهورين ثم يقضي لكنه يسن خروجا من خلاف من أوجبه واليدان والرجلان كل منهما كعضو .

                                                                                                                            نعم يسن جعل كل واحدة كعضو في التيمم من أجلها .

                                                                                                                            ويؤخذ مما تقدم أنه لو عمت العلة وجهه ويديه كفاه تيمم واحد عن ذلك لسقوط الترتيب بينهما حينئذ ، وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى ومثل ذلك ما لو عمت الرأس والرجلين .

                                                                                                                            قال في المجموع : فإن قيل إذا كانت الجراحة في وجهه ويده وغسل صحيح الوجه أولا جاز توالي تيمميهما فلم لا يكفيه تيمم واحد كمن عمت الجراحة أعضاءه ؟ فالجواب أن التيمم هنا في طهر تحتم فيه الترتيب ، فلو كفاه تيمم واحد حصل تطهير الوجه واليدين في حالة واحدة وهو ممتنع ، بخلاف التيمم عن الأعضاء كلها لسقوط الترتيب بسقوط الغسل ا هـ .

                                                                                                                            قال الشيخ : وما قيل من أن هذا الجواب لا يفيد لأن حكم الترتيب باق فيما يمكن غسله ساقط في غيره فيكفيه تيمم واحد مردود بأن الطهر في العضو الواحد لا يتجزأ ترتيبا وعدمه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : عند غلبة ظنه ) أفهم أنه حيث لم يغلب على ظنه ما ذكر جاز له التيمم وهو موافق لما اقتضاه تعبير المصنف بالخوف ، وحينئذ فحيث أخبره الطبيب بأن الغالب حصول المرض حرم استعمال الماء ، وإن أخبر بمجرد حصول الخوف لم يجب ويجوز التيمم ( قوله : ومراده بالعضو الجنس ) أي فيصدق بما إذا كانت الجراحة في أكثر من عضو لكن يرد عليه أن تعدد العضو يأتي في كلامه .

                                                                                                                            وقد يقال إتيانه في كلامه لا يمنع حمله على الجنس لأن الجنس عند الحمل عليه مجمل فما يأتي بيان له أو أن ما يأتي بيان لتعدد التيمم ( قوله : ما أمكن على محل العلة ) إن أمكن ولو على أفواه الجرح إذ لا ضرر فيه متن الروض وشرحه ( قوله : مما مر ) أي من الخوف على منفعة العضو إلخ ( قوله : إشارة للرد إلخ ) ووجه الرد أن ذلك : أي مسح المحل المعجوز عنه وحده لا يسمى تيمما شرعيا ، والألفاظ المطلقة تحمل [ ص: 284 ] على ما هو معهود في الشرع ( قوله : وكذا غسل الصحيح على المذهب ) قال في الروض : ولما بين حبات الجدري حكم العضو الجريح إن خاف من غسله ما مر ا هـ ( قوله : ولو بأجرة فاضلة ) أي فإن تعذر الاستئجار قضى لندوره ا هـ حج ( قوله : عما مر ) وهو ما يعتبر في زكاة الفطر ، وقضيته أنه لا يشترط فضله عن الدين بناء على ما هو المعتمد عند الشارح في زكاة الفطرة .

                                                                                                                            ويرد عليه أنه لا يجب عليه شراء الماء إذا احتاج ثمنه في الدين المستغرق ، فالظاهر أن ذلك المقتضى غير مراد عند الشارح وأنه يشترط فضله عن الدين كثمن الماء ( قوله : ببل خرقة ) متعلق بقول المصنف غسل ( قوله : بلا إفاضة إلخ ) أي وذلك غسل خفيف فلا ينافي ما يأتي من عدم وجوب المسح ( قوله فلا يناسبها وجوب ذلك ) أي على أن المسح على الساتر إنما هو بدل عما أخذه من الصحيح وهو متمكن من غسله فلا معنى لوضع الساتر عليه ، بل القياس منعه لأدائه إلى تفويت الغسل مع إمكانه .

                                                                                                                            وعبارة ابن قاسم فيما كتبه على قول ابن حجر : نعم يسن ستر الجرح حتى يمسح عليه خروجا من الخلاف ا هـ .

                                                                                                                            قد يقال قياس أن المسح عليه طهارة ما تحت الساتر من الصحيح أنه إذا أمكنه غسل الصحيح لا يسن الستر المذكور لعدم الحاجة إليه ، بل لا يجوز إلا أن يكون المخالف المراعى خلافه يرى ذلك .

                                                                                                                            وقد يقال : كون المخالف يرى ذلك لا يقتضي وضع الساتر ، لأن رعاية الخلاف إنما تطلب حيث لم تفوت مطلوبا عندنا وهي هنا تفوت الغسل الواجب لقدرته عليه بدليل وجوب نزع الجبيرة إذا أخذت من الصحيح شيئا ليغسل ما تحتها ، اللهم إلا أن يقال : إن الكلام مفروض فيما إذا تعذر غسل ما حول الجرح من الصحيح فيسن وضع الساتر ليمسحه بدل الصحيح منضما للتيمم بدل الجريح ( قوله : ولا ترتيب بينهما إلخ ) قال ابن حجر : تنبيه ما أفاده المتن أن الجنب إذا أحدث لا يلزمه الترتيب وإن كانت علته في أعضاء الوضوء يشمل ما لو كانت علته في يده مثلا فتيمم عن الجنابة ثم أحدث فتوضأ وأعاد التيمم عن الأكبر لإرادته فرضا ثانيا فيندرج فيه تيمم الأصغر وإن كان قبل الوضوء ، وهو متجه نظير ما مر في جنب بقي رجلاه فأحدث له غسلهما قبل بقية أعضاء وضوئه ، وما أومأ إليه كلام الشارح أنه لا بد من التيمم في هذه الصورة عن الأصغر وقت غسل العليل فهو مناف لكلامهم أنه حيث اجتمع الأصغر والأكبر اضمحل النظر إلى الأصغر مطلقا ا هـ ( قوله : للجنب ) قال المحلي وجوبا .

                                                                                                                            أقول : أي من جهة الوجوب فهو تمييز ولا خبر للا هنا ، إذ الكثير إسقاط خبرها بل قيل بوجوب إسقاطه ، ويحتمل أن الخبر محذوف : أي لا ترتيب واجب وجوبه ( قوله : ورد القول إلخ ) لم يتقدم له حكاية هذا [ ص: 285 ] القول لكنه يفهم من كلامه ثبوت الخلاف وإن لم يحكه المصنف ( قوله : ليزيل الماء أثر التراب ) هذا لا يأتي إذا عمت العلة الوجه واليدين ، ونظر الزركشي في مسح الساتر هل الأولى تأخيره عن التيمم كالغسل ؟ والذي يتجه أن الأولى ذلك ، لكن إن فعل السنة من مسحه بالتراب ليزيله ماء المسح حينئذ كذا في شرح العباب ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : وقوله هذا لا يأتي إلخ ظاهر لكنه قد يوجه تقديم التيمم فيه بما قاله الإسنوي من أن الأولى أن يقدم أعضاء الوضوء على غيرها ، فتقديم التيمم حينئذ لكونه بدلا من غسل الوجه واليدين وهو مقدم على بقية الأعضاء ( قوله : وتوسطه ) أي بأن يغسل بعض العضو الصحيح ثم يتيمم عن علته ثم يغسل باقي صحيحه ( قوله : ويسن للجنب إلخ ) هذا مستفاد من قوله السابق : ويحمل النص القائل بأنه إلخ ، ولعل ذكره هنا للتنبيه على أنه مصرح به في كلامهم وتوطئة لما نقله عن الإسنوي ( قوله : لما مر في الجنب إلخ ) أي من أنه يجب تقديم الغسل على قول تقدم رده ( قوله بعد فراغ الوجه ) وبه علم رد ما قيل يكفيه تيمم واحد عن الوجه واليدين لعدم الفاصل بينهما .

                                                                                                                            ووجه الرد أنه لما وجب غسل بعض كل من الوجه واليدين وجب الترتيب بينهما وهو إنما يحصل بتيممين ، وسيأتي ما يؤخذ منه ذلك في قول الشارح قال في المجموع إلخ ( قوله : لو عمتها ) الأولى عمته لأن الرأس مذكر ( قوله : كفاه تيمم ) وقضية ذلك أنه لو احتاج لأربع تيممات بأن كان في كل عضو من أعضائه الأربعة علة غير عامة لغير الرأس وعامة للرأس كفى نية الاستباحة عند تيمم الوجه فلا تحتاج بقية التيممات نية وإن نوى عند غسل صحيح الوجه رفع الحدث ا هـ ابن قاسم على أبي شجاع .

                                                                                                                            أقول : وفيه نظر لا يخفى لأن كل تيمم طهارة مستقلة بالنسبة لغيره ، وإذا اكتفى بنية واحدة [ ص: 286 ] لزم وقوع ما عدا نية التيمم الأول في غير محلها ، إذ محلها بالنسبة لكل تيمم عند نقل التراب ومقارنتها للمسح به ، فالاكتفاء بالنية الأولى عن بقية التيممات يشبه ما لو نوى عند غسل الكفين الوضوء ولم يستحضر النية عند غسل الوجه وهو باطل فكذا هنا ، على أن التيمم الثاني حيث خلا عن النية كان الحاصل به مجرد تكرار المسح ( قوله : وجب عليه ) أي رفع الستر ( قوله لكنه يسن ) أي التيمم فوق الساتر ( قوله كل منهما ) أي اليدين والرجلين فاليدان كعضو والرجلان كعضو ( قوله : ويؤخذ مما تقدم ) أي في قوله ولو عمت العلة أعضاءه الأربعة كفاه تيمم واحد إلخ ( قوله : تحتم فيه الترتيب ) أي نظرا لغسل الصحيح من كل من الوجه واليدين ( قوله : وهو ممتنع ) أي لوجوب الترتيب فيه ( قوله : فيما يمكن غسله ) وهو صحيح الوجه واليدين ( قوله : ساقط في غيره ) وهو عليلهما .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 283 ] قوله : فلم يرد ) لو عبر بالواو بدل الفاء كما عبر الدميري لكان واضحا ( قوله : عند غلبة ظنه إلخ ) لا يخفى أن هذا القيد لا بد منه لامتناع استعمال الماء على كل من المعنيين خلافا لما يوهمه كلامه [ ص: 284 - 285 ] قوله : قال الإسنوي إلخ ) كان الأولى تقديمه على قول المتن فإن كان محدثا إلخ ( قوله : ; لأن مسح الصحيح منها ) الصواب منه وكذا يقال : في عمتها




                                                                                                                            الخدمات العلمية