الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والمستعمل في فرض الطهارة ) عن الحدث كالغسلة الأولى ولو من طهر صاحب ضرورة طاهر غير مطهر كما سيأتي ; لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى . فإن قيل : ولم يجمعوا المستعمل في النفل فلم قلتم بطهوريته ؟ قلنا : الظاهر أنهم في مثل تلك الحالة يقتصرون على فرض الطهارة بالماء .

                                                                                                                            فإن قلت : طهور في الآية السابقة بوزن فعول فيقتضي تكرر الطهارة بالماء .

                                                                                                                            قلنا : فعول يأتي اسما للآلة كسحور لما يتسحر به ، فيجوز أن يكون طهورا كذلك ، ولو سلم اقتضاؤه التكرر فالمراد به جمعا بين الأدلة ثبوت ذلك لجنس الماء أو في المحل الذي مر عليه فإنه يطهر كل جزء منه ، ولأنه لما أزال المنع من نحو الصلاة انتقل ذلك المنع إليه كما أن الغسالة لما أثرت في المحل تأثرت ، فسقوط طهوريته معلل بإزالته المنع لا بتأدي مطلق العبادة ، ومراده بالفرض ما لا بد منه أتم تاركه أم لا ، فشمل وضوء الصبي ولو غير مميز بأن وضأه [ ص: 73 ] وليه للطواف كما سيأتي ، ووضوء الحنفي الذي لا يعتقد وجوب النية ; لأن فعله رفع الاعتراض عليه من المخالف ، وإنما لم يصح اقتداؤه به إذا مس فرجه اعتبارا باعتقاد المأموم لاشتراط الرابطة في الاقتداء لا في الطهارات واحتياطا في البابين ، وما استعمل في غسل بدل مسح من رأس أو خف أو في غسل ميت أو كتابية أو مجنونة أو ممتنعة عن حيض أو نفاس ليحل وطؤها ( قيل ونفلها ) كالغسلة الثانية والثالثة والوضوء المجدد والغسل المسنون ( غير طهور في الجديد ) لأنه مستعمل في طهارة فكان كالمستعمل في رفع الحدث ، والقديم أنه طهور ، والأصح أن المستعمل في نقل الطهارة على الجديد طهور ; لأنه لم يستعمل فيما لا بد منه ، وسيأتي المستعمل في النجاسة في بابها .

                                                                                                                            ( فإن جمع قلتين فطهور في الأصح ) لخبر القلتين الآتي كالمتنجس إذا جمع فبلغهما ولا تغير به بل أولى ، وكما لو كان ذلك في الابتداء ، ولا بد في انتفاء الاستعمال عنه ببلوغه قلتين أن يكونا من محض الماء كما قدمناه والثاني لا وفرق بأنه لا يخرج بالجمع عن وصفه بالاستعمال بخلاف النجس ولا يخفى أن الماء مادام مترددا على العضو لا يحكم عليه بالاستعمال مادامت الحاجة باقية ، فلو انغمس جنب أو محدث في ماء قليل ثم نوى ارتفع حدثه عن جميع أعضائه في الأولى ، وفي الثانية عن أعضاء وضوئه ، وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى غيره لا إليه ، فيرتفع به حدث يطرأ قبل أن يخرج منه رأسه فيما يظهر أو جنب في ماء قليل ونوى قبل تمام الانغماس طهر الجزء الملاقي للماء ، وله إتمام غسله بالانغماس دون الاغتراف ، ولو انغمس فيه جنبان ثم نويا معا ارتفعت جنابتهما ، أو مرتبا فالأول وصار مستعملا بالنسبة إلى الآخر ، أو انغمس بعضهما ثم نويا معا ارتفعت عن جزأيهما وصار مستعملا بالنسبة إليهما أو مرتبا ، فعن جزء الأول دون الآخر وحكم إتمام باقي الأول ما مر ، ولو غرف المحدث من ماء قليل بأحد [ ص: 74 ] كفيه قبل تمام غسل وجهه لم يصر مستعملا ، وكذا قبل تمام الغسلات الثلاث له إن قصدها ، أو بعد الأولى إن نوى الاقتصار عليها وكان ناويا الاغتراف ، وإلا صار مستعملا ، ولو غسل بما في كفه باقي يده لا غيره أجزأه ، ولا يشترط لنية الاغتراف نفي رفع الحدث

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في مواطن من أسفارهم ) أي القليلة الماء كما هو معلوم . لا يقال : إنما لم يجمعوه لغرض آخر لعدم تكليفهم تحصيل الماء قبل دخول الوقت ; لأنا نقول : محافظة الصحابة على فعل العبادة على الوجه الأكمل يوجب في العادة أنهم يحصلونه متى قدروا عليه ويدخرونه إلى وقت الحاجة ( قوله : يقتصرون على فرض الطهارة ) عبارة ابن قاسم على المنهج ، نعم لقائل أن يقول : كما لم يجمعوا ماء المرة الأولى لم يجمعوا ما بعدها من الثانية والثالثة ، فإن دل عدم الجمع على عدم طهوريته في الأولى فليدلس عليه أيضا فيما بعدها وإلا لم يثبت المطلوب أيضا ، وهي واقعة حال فعلية .

                                                                                                                            ويجاب بأن عدم الجمع دال على ما ذكر ، لكنهم استنبطوا معنى خصص الحكم بالأولى وهو انتقال المنع إليها ، وإنما لم يجمعوا ما بعدها لاختلاطه غالبا بماء الأولى ، فكان الجمع مظنة المحذور من اختلاط طهوره بغيره الذي قد يؤثر فيه ، وبأن الاحتمال الذي في غاية البعد لا يؤثر في وقائع الأحوال ( قوله : لما أثرت في المحل إلخ ) هذا [ ص: 73 ] من تشبيه المعقول بالمحسوس : أي كما أن الغسالة المستعملة في غسل المستقذرات الحسية الطاهرة تتغير عادة ، كذلك المستعملة في إزالة المنع الذي هو مستقذر معنوي ، فليس المراد بالغسالة في هذا التشبيه الغسالة المستعملة في إزالة الخبث أو الحدث حتى يلزم قياس الشيء على نفسه ، فسقط ما للشيخ عميرة رحمه الله ( قوله : مطلق العبادة ) أي حتى يكون المستعمل في نقل الطهارة غير طهور ( قوله : فشمل وضوء الصبي ) إذا وضأه وليه ، وهل له أن يصلي بهذا الوضوء إذا بلغ أم لا فيه نظر ، والأقرب الثاني ; لأنه إنما اعتد بوضوء وليه للضرورة وقد زالت ، ونظير ذلك ما قيل في زوج المجنونة إذا غسلها بعد انقطاع دم الحيض من أنها إذا أفاقت ليس لها أن تصلي بذلك الطهر ، أما المميز إذا توضأ بنفسه ثم بلغ فله أن يصلي به ( قوله : لا يعتقد وجوب النية ) أي وإن لم ينو كما صححه النووي انتهى شرح البهجة الكبير ( قوله : أو كتابية ) ليس بقيد فنحو المجوسية مثلها ، وشمل التعبير بالكتابية الذمية والحربية .

                                                                                                                            ( قوله : ليحل وطؤها ) ولو كان الوطء زنا أو الحليل كافرا ( قوله : ; لأنه مستعمل ) تعليل لقوله قيل ونفلها ( قوله : طهور ; لأنه إلخ ) والحاصل أن في الفرض قولين قديما وجديدا ، وفي النفل بناء على الجديد في الفرض وجهين أصحهما أنه طهور ( قوله : كما قدمناه ) أي في قوله ويلزمه تكميل الماء الناقص إلخ ( قوله : ما دامت الحاجة ) أي ودوامها بأن لا ينفصل الماء عن شيء منه إلى ما لا يغلب فيه التقاذف لا مجرد ارتفاع حدثه كما يعلم من التفريع ( قوله : قبل أن يخرج منه رأسه ) أي أو بعض عضو من أعضاء وضوئه ( قوله : وحكم إتمام باقي الأول ما مر ) أي فله ذلك ، وقوله ما مر : أي من قوله بالانغماس إلخ ( قوله : ولو غرف المحدث من ماء قليل إلخ ) .

                                                                                                                            [ فائدة ]

                                                                                                                            لو اغترف بإناء في يده فاتصلت : أي يده بالماء الذي اغترف منه ، فإن قصد الاغتراف أو ما في معناه كملء هذا الإناء من الماء فلا استعمال ، وإن لم يقصد شيئا مطلقا فهل يندفع الاستعمال ; لأن الإناء قرينة على [ ص: 74 ] الاغتراف دون رفع الحدث كما لو أدخل يده بعد غسلة الوجه الأولى من اعتاد التثليث حيث لا يصير الماء مستعملا لقرينة اعتياد التثليث أو يصير ، ويفرق بأن العادة توجب عدم دخول وقت غسل اليد بخلافه هناك فإن اليد دخلت في وقت غسلها فيه نظر ، ويتجه الثاني انتهى مر .

                                                                                                                            ولو اختلفت عادته في التثليث بأن كان تارة يثلث وأخرى لا يثلث واستويا فهل يحتاج النية لاغتراف بعد غسلة الوجه الأولى فيه نظر ، ويحتمل عدم الاحتياج وهو المعتمد فليتأمل .

                                                                                                                            واعلم أنه لا بد أن تكون نية الاغتراف عند أول مماسة الماء ، فإن تأخرت فلا أثر لها كما هو ظاهر ، ولا تغتر بمن ذكر خلاف ذلك انتهى ابن قاسم على البهجة . قلت : وكذا لو تقدمت ولم يستحضرها عند الاغتراف ( قوله : إن قصدها ) أي أو أطلق على ما يفيده كلام شيخنا الزيادي ( قوله : لا غيره أجزأه ) أي فصورة المسألة أنه أدخل إحدى يديه كما هو الفرض ، أما لو أدخلهما معا فليس له أن يغسل بما فيهما باقي إحداهما ولا باقيهما وذلك لرفع الماء حدث الكفين ، فمتى غسل باقي إحداهما فقد انفصل ما غسل به عن الأخرى وذلك يصيره مستعملا ، ومنه يعلم وضوح ما ذكره ابن قاسم في شرحه على أبي شجاع من أنه يشترط لصحة الوضوء من الحنفية المعروفة نية الاغتراف بعد غسل الوجه بأن يقصد أن اليد اليسرى معينة لليمنى في أخذ الماء .

                                                                                                                            فإن لم ينو ذلك ارتفع حدث الكفين معا ، فليس له أن يغسل به ساعد إحداهما ثم يصبه ثم يأخذ غيره لغسل الساعد ، لكن نقل عن إفتاء الرملي ما يخالفه ، وأن اليدين كالعضو الواحد ، فما في الكفين إذا غسل به الساعد لا يعد منفصلا عن العضو وفيه نظر لا يخفى ، ومثل الحنفية الوضوء بالصب من إبريق أو نحوه ( قوله : ولا يشترط لنية الاغتراف نفي رفع الحدث ) يؤخذ منه أنه لو نوى الاغتراف ورفع الحدث ضر ، وبه صرح ابن قاسم على شرح البهجة ( قوله : نفي رفع الحدث ) أي بأن يقول : نويت الاغتراف دون رفع الحدث ، بل يكفي مجرد نيته ; لأن معناها قصد إخراج الماء من الإناء ليرفع به الحدث خارجه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كما سيأتي ) أي أنه غير طهور ، فهو راجع إلى الثاني فقط ، أو أن قوله فيما يأتي غير طهور يشعر بأنه طاهر وإلا كان يقول غير طاهر ( قوله : قلنا فعول يأتي اسم آلة كسحور إلخ ) فيه تسليم أن طهور يقتضي تكرر الطهارة بالماء ، وهو إنما يصح لو كان صيغة مبالغة من مطهر ، والواقع أنه صيغة مبالغة من طاهر لا من مطهر ، فمعناه تكرر الطاهرية ، لكن لما لم يكن لتكررها معنى حمل المبالغة على أنه يطهر غيره ( قوله : ولأنه لما أزال المنع ) معطوف على قوله ; لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى آخره ، وكان ينبغي تقديمه [ ص: 73 ] على قوله فإن قلت طهور إلخ ( قوله : وإنما لم يصح اقتداؤه به إذا مس فرجه ) أي أو إذا توضأ بلا نية الذي هو [ ص: 74 ] مسألتنا وكان التمثيل به أولى




                                                                                                                            الخدمات العلمية