الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني يحيى عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري يقول رأيت أبا بكر الصديق أكل لحما ثم صلى ولم يتوضأ

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          56 54 - ( مالك عن أبي نعيم ) بضم النون ( وهب بن كيسان ) القرشي مولاهم المدني المعلم عن جابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء وعدة ، وعنه مالك وابن إسحاق وأيوب السختياني وآخرون ، وثقه النسائي وغيره وروى له الجميع ومات سنة سبع وعشرين ومائة .

                                                                                                          ( أنه سمع جابر بن عبد الله ) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء ( الأنصاري ) السلمي بفتحتين ، صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة مع المصطفى ولم يشهد بدرا ولا أحدا منعه أبوه ، واستغفر له النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة البعير خمسا وعشرين مرة ، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه ، ومات بالمدينة وقيل : بمكة وقيل : بقباء سنة ثمان وسبعين أو سنة تسع أو سبع أو أربع أو ثلاث أو اثنين وهو ابن أربع وتسعين سنة .

                                                                                                          ( يقول رأيت أبا بكر الصديق ) لسبقه لتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان علي يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق .

                                                                                                          ( أكل لحما ثم صلى ولم يتوضأ ) فهؤلاء الخلفاء الأربع وعامر بن ربيعة وابن عباس فعلوا ذلك بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل على نسخ الوضوء مما مست النار ، وقد قال مالك : إذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان مختلفان وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما دل على أن الحق ما عملا به .

                                                                                                          وكان مكحول يتوضأ مما مست النار فأخبره عطاء بن أبي رباح بحديث جابر هذا عن أبي بكر فترك الوضوء وقال : لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتى الإمام بذلك لرد قول شيخه ابن شهاب أنه ناسخ لحديث الإباحة .

                                                                                                          [ ص: 145 ] روى البخاري ومسلم عن عمرو بن أمية : " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتز كتف شاة يأكل منها فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين وصلى ولم يتوضأ " زاد البيهقي : قال الزهري : فذهبت تلك القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء من أزواجه أنه قال : " توضئوا مما مست النار " ، قال : وكان الزهري يرى أن الأمر بذلك ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة ، واعترض عليه بحديث جابر قال : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ، لكن قال أبو داود وغيره : المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي ، وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ ، فيحتمل أن هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار ، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان لحدث لا للأكل من الشاة .

                                                                                                          وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال : لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجحنا به أحد الجانبين ، وبهذا يظهر حكمة ذكر الإمام لفعل الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة بعد تصديره بحديثي ابن عباس وسويد في أن المصطفى أكل مما مست النار ولم يتوضأ ، وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب .




                                                                                                          الخدمات العلمية