الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          371 370 - ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي ) رواه مالك موقوفا ، وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن سالم عن أبيه مرفوعا لكن إسناده ضعيف ، وجاء أيضا مرفوعا عند أبي سعيد عن أبي داود ، وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني عن جابر عند الطبراني في الأوسط ، وفي إسناد كل منهما ضعف .

                                                                                                          وقال قوم : يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعا : " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود " ، قال عبد الله بن الصامت : " يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر والكلب الأصفر ؟ قال : يابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال : الكلب الأسود شيطان " رواه مسلم .

                                                                                                          وله أيضا عن أبي هريرة مرفوعا : " تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل " ورواه الطبراني عن الحكم بن عمرو وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل نحوه من غير تقييد بالأسود .

                                                                                                          ولأبي داود عن ابن عباس مثله لكن قيد المرأة بالحائض .

                                                                                                          واختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث ، فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذر وما وافقه منسوخ بحديث عائشة في الصحيحين : " أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة " فقالت : شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة " ، وقالت ميمونة : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا نائمة إلى جنبه فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض " ، وتعقب بأن [ ص: 542 ] النسخ إنما صار إليه إذا علم التاريخ وتعذر الجمع ، والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر ، ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بنقص الخشوع لا الخروج من الصلاة ، ويؤيده أنه سأل عن حكمة التقييد بالأسود فأجيب بأنه شيطان ، وقد علم أن الشيطان لو مر بين يدي المصلي لم يفسد صلاته كما سبق حديث : " إذا ثوب بالصلاة أدبر الشيطان فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه " وفي الصحيح : " أن الشيطان عرض لي فشد علي : الحديث .

                                                                                                          وللنسائي : " فأخذته فصرعته " ولا يرد أنه قال في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته ، لأنه بين في رواية مسلم سبب القطع وهو أنه أتى بشهاب من نار ليجعله في وجهه ، وأما مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة ، وقال أحمد : يقطع الصلاة الكلب الأسود ، وفي النفس من الحمار والمرأة شيء ، ووجهه ابن دقيق العيد بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه ، ووجد في الحمار حديث ابن عباس ، وفي المرأة حديث عائشة ، ونازع بعضهم في الاستدلال به من وجوه : أحدها : أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش وقد قالت : البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته .

                                                                                                          ثانيها : أن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة ، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجة فقد يحمل المطلق على المقيد ، ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الفتنة بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة عنده .

                                                                                                          ثالثها : أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع ، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقدر من ملك أربه على ما لا يقدر عليه غيره .

                                                                                                          وقال بعض الحنابلة : يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة ، وصريحة غير صحيحة ، فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصحيح الصريح بالمحتمل يعني حديث عائشة وما وافقه ، والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائما كان أم غيره ، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها .




                                                                                                          الخدمات العلمية