الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

[ ص: 105 ] وكان هديه صلى الله عليه وسلم عتق عبيد المشركين إذا خرجوا إلى المسلمين وأسلموا ، ويقول : ( هم عتقاء الله عز وجل ) .

وكان هديه أن من أسلم على شيء في يده ، فهو له ، ولم ينظر إلى سببه قبل الإسلام ، بل يقره في يده كما كان قبل الإسلام ، ولم يكن يضمن المشركين إذا أسلموا ما أتلفوه على المسلمين من نفس ، أو مال حال الحرب ولا قبله ، ( وعزم الصديق على تضمين المحاربين من أهل الردة ديات المسلمين وأموالهم ، فقال عمر : تلك دماء أصيبت في سبيل الله ، وأجورهم على الله ، ولا دية لشهيد ) فاتفق الصحابة على ما قال عمر ، ولم يكن أيضا يرد على المسلمين أعيان أموالهم التي أخذها منهم الكفار قهرا بعد إسلامهم ، بل كانوا يرونها بأيديهم ، ولا يتعرضون لها سواء في ذلك العقار والمنقول ، هذا هديه الذي لا شك فيه .

ولما فتح مكة ، قام إليه رجال من المهاجرين يسألونه أن يرد عليهم دورهم التي استولى عليها المشركون ، فلم يرد على واحد منهم داره ، وذلك لأنهم تركوها لله ، وخرجوا عنها ابتغاء مرضاته ، فأعاضهم عنها دورا خيرا منها في الجنة ، فليس لهم أن يرجعوا فيما تركوه لله ، بل أبلغ من ذلك أنه لم يرخص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد نسكه أكثر من ثلاث ، لأنه قد ترك بلده لله ، وهاجر منه ، فليس له أن [ ص: 106 ] يعود يستوطنه ، ولهذا رثى لسعد بن خولة ، وسماه بائسا أن مات بمكة ، ودفن بها بعد هجرته منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية