الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفيها دليل على الأخذ بالقرائن في الاستدلال على صحة الدعوى وفسادها ، لقوله صلى الله عليه وسلم لسعية لما ادعى نفاد المال : ( العهد قريب ، والمال أكثر من ذلك ) .

وكذلك فعل نبي الله سليمان بن داود في استدلاله بالقرينة على تعيين أم الطفل الذي ذهب به الذئب ، وادعت كل واحدة من المرأتين أنه ابنها ، واختصمتا في الآخر ، فقضى به داود للكبرى ، فخرجتا إلى سليمان ، فقال : ( بم قضى بينكما نبي الله ، فأخبرتاه فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينكما ، فقالت الصغرى : لا تفعل رحمك الله هو ابنها ، فقضى به للصغرى ) . فاستدل بقرينة الرحمة والرأفة التي في قلبها ، وعدم سماحتها بقتله ، وسماحة الأخرى بذلك لتصير أسوتها في فقد الولد على أنه ابن الصغرى .

فلو اتفقت مثل هذه القضية في شريعتنا ، لقال أصحاب أحمد والشافعي [ ص: 133 ] ومالك رحمهم الله : عمل فيها بالقافة ، وجعلوا القافة سببا لترجيح المدعي للنسب رجلا كان أو امرأة .

قال أصحابنا : وكذلك لو ولدت مسلمة وكافرة ولدين ، وادعت الكافرة ولد المسلمة ، وقد سئل عنها أحمد ، فتوقف فيها . فقيل له : ترى القافة ؟ فقال : ما أحسنها ، فإن لم توجد قافة ، وحكم بينهما حاكم بمثل حكم سليمان ، لكان صوابا ، وكان أولى من القرعة ، فإن القرعة إنما يصار إليها إذا تساوى المدعيان من كل وجه ولم يترجح أحدهما على الآخر ، فلو ترجح بيد أو شاهد واحد أو قرينة ظاهرة من لوث أو نكول خصمه عن اليمين ، أو موافقة شاهد الحال لصدقه ، كدعوى كل واحد من الزوجين ما يصلح له من قماش البيت والآنية ، ودعوى كل واحد من الصانعين آلات صنعته ، ودعوى حاسر الرأس عن العمامة عمامة من بيده عمامة ، وهو يشتد عدوا ، وعلى رأسه أخرى ، ونظائر ذلك ، قدم ذلك كله على القرعة .

ومن تراجم أبي عبد الرحمن النسائي على قصة سليمان ( هذا باب : الحكم يوهم خلاف الحق ، ليستعلم به الحق ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقص علينا هذه القصة لنتخذها سمرا ، بل لنعتبر بها في الأحكام ، بل الحكم بالقسامة وتقديم أيمان مدعي القتل هو من هذا استنادا إلى القرائن الظاهرة ، بل ومن هذا رجم الملاعنة إذا التعن الزوج ، ونكلت عن الالتعان . فالشافعي ومالك رحمهما الله ، يقتلانها بمجرد التعان الزوج ونكولها استنادا إلى اللوث الظاهر الذي حصل بالتعانه ونكولها .

التالي السابق


الخدمات العلمية