الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 19 ] وما يكون الصوم مشروطا بإعساره ككفارة الفطر في رمضان وكفارة الظهار وكفارة القتل ودم التمتع والقران فيفرق فيه بينهما ، فالاعتبار لإعساره وقت تكفيره بالصوم ، وكذا يفرق في فدية الشيخ الفاني ، فلا وجوب على الفقير ، فإذا أيسر لا يلزمه الإخراج . كالزكاة وصدقة الفطر فتسقط بالموت ، وإنما الكلام في حقوق العباد ، فإن وقت التركة بالكل فلا كلام ; وإلا قدم .

                29 - المتعلق بالعين كالرهن على ما تعلق بالذمة ، وإذا أوصى بحقوق الله تعالى قدمت الفرائض ، وإن أخرها كالحج والزكاة والكفارات ، وإن تساوت في القوة بدأ بما بدأ به ، وإذا اجتمعت الوصايا لا يقدم البعض على البعض .

                30 - إلا العتق والمحاباة ، ولا معتبر بالتقديم والتأخير ما لم ينص عليه . وتمامه في وصايا الزيلعي

                [ ص: 19 ]

                التالي السابق


                [ ص: 19 ] قوله : وما يكون الصوم مشروطا بإعساره . من عطف العام على الخاص .

                ( 29 ) قوله : المتعلق بالعين كالرهن . أقول : مثل الرهن العين المؤجرة والعبد الجاني والمبيع قبل القبض إذا مات المشتري قبل أداء الثمن .

                ( 30 ) قوله : إلا العتق والمحاباة . قال في الكنز فإن حابى فحرر فهي أحق [ ص: 20 ] وبعكسه استويا ، والأصل في هذا أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل واحد من أصحاب الوصايا يضرب بجميع وصيته في الثلث ولا يقدم البعض على البعض إلا العتق الموقع في المرض والعتق المعلق بموت الوصي كالتدبير الصحيح سواء كان مطلقا أو مقيدا ، والمحاباة في المرض بخلاف ما إذا قال : إذا مت فهو حر بعد موتي بيوم والمعنى فيه أن كل ما يكون منفذا عقيب الموت من غير حاجة إلى التنفيذ فهو في المعنى أسبق مما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت والترجيح يقع بالسبق ; لأن ما ينفذ بعد الموت من غير تنفيذ ينزل منزلة المديون فإن صاحب الدين ينفذ باستيفاء دينه إذا ظفر بجنس حقه وفي هذه الأشياء يصير مستوفيا بنفس الموت ، والدين مقدم على الوصية فكذا الحق الذي في معناه وغيره من الوصايا قد تساوت في السبب والتساوي فيه يوجب التساوي في الاستحقاق فإذا ثبت هذا فهما يقولان إن العتق أقوى ; لأنه لا يلحقه الفسخ ، والمحاباة يلحقها الفسخ ، ولا معتبر بالتقديم في الذكر ; لأنه لا يوجب التقديم في الثبوت إلا إذا اتحد المستحق واستوت الحقوق على ما يجيء بيانه .

                والإمام يقول : إن المحاباة أقوى ; لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضات فكان تبرعا بمعنى المعاوضة لا بصيغتها حتى يأخذه الشفيع ويملكه العبد والصبي المأذون لهما والإعتاق تبرع صيغة ومعنى ، فإذا وجد المحاباة أولا دفعت إلى الأضعف وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة ، وعلى هذا قال الإمام : إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينهما وبين العتق ; لأن العتق مقدم عليهما فيستويان .

                ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول وبين المحاباة وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني ولا يقال : إن صاحب المحاباة يسترد ما أصاب العتق الذي بعده في المسألتين لكونه أولى منه ; لأنا نقول لا يمكن ذلك ; لأنه يلزم منه الدور ; بيانه أن صاحب المحاباة الأولى في المسألة الأولى لو استرد من المعتق لكونه أولى لاسترد منه صاحب المحاباة الثاني لاستوائهما ثم استرد منه المعتق الأول ; لأنه يساوي صاحب المحاباة الثاني ، وفي المسألة الثانية لو استرد صاحب المحاباة ما أصاب المعتق الثاني لاسترد منه المعتق الأول ; لأنه يساويه ثم استرده صاحب المحاباة وهكذا إلى ما لا يتناهى . والسبيل في الدور قطعه [ ص: 21 ] وعندهما العتق أولى في الكل فلا يرد السؤال عليهما هذا تحقيق المقام ومنه يعلم ما في كلام المصنف من القصور والإخلال والله ولي الأفضال




                الخدمات العلمية