الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4119 373 - حدثني عباس بن الحسين، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا، فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أمين هذه الأمة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وعباس بالباء الموحدة ابن الحسين أبو الفضل البغدادي، مات قريبا من سنة أربعين ومائتين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث مفردا، وآخر في التهجد مقرونا، ويحيى بن آدم بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري، وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن يحيى هذا بهذا الإسناد عن ابن مسعود بدل حذيفة، وكذلك أخرجه أحمد، والنسائي، وابن ماجه من طريق آخر عن إسرائيل، ورجح الدارقطني في (العلل) هذه الرواية، ورد الترجيح بأن أصل الحديث رواه شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة مثل حديث الباب، وقد مر في مناقب أبي عبيدة ويحيى عن قريب أيضا، فالبخاري استظهر برواية شعبة، والظاهر من هذا أن الطريقين صحيحان، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  وقال المزي : وحذيفة أصح، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وصلة بن زفر العبسي الكوفي، وحذيفة بن اليمان العبسي.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري في خبر الواحد أيضا، وأخرجه بقية الجماعة غير أبي داود.

                                                                                                                                                                                  قوله: (جاء العاقب) بالعين المهملة، وبالقاف المكسورة، وبالباء الموحدة، واسمه عبد المسيح.

                                                                                                                                                                                  قوله: (والسيد) بفتح السين المهملة، وتشديد الياء آخر الحروف، واسمه الأيهم بفتح الهمزة، وسكون الياء آخر الحروف، ويقال شرحبيل، وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إلى أهل نجران فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فيهم العاقب، وهو عبد المسيح، رجل من كندة، وأبو الحارث بن علقمة رجل من ربيعة، وأخوه كرز، والسيد وأوس ابنا الحارث، وزيد بن قيس، وشيبة، وخويلد، وخالد، وعمرو، وعبد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم العاقب أميرهم، وصاحب مشورتهم، والذي يصدرون عن رأيه، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مدراسهم، والسيد وهو صاحب رحالهم، فدخلوا المسجد، وعليهم ثياب الحبرة، وأردية مكفوفة بالحرير، فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق فقال صلى الله عليه وسلم: دعوهم ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهم، ولم يكلمهم فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم، فانصرفوا يومهم، ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلموا فرد عليهم، ودعاهم إلى الإسلام فأبوا، وكثر الكلام واللجاج، وتلا عليهم القرآن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم بأهلكم فانصرفوا على ذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يريدان أن يلاعناه) أي يباهلاه من الملاعنة، وهي المباهلة، وفيه نزلت تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل

                                                                                                                                                                                  والمباهلة أن يجتمع قوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون: لعنة الله على الظالم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقال أحدهما لصاحبه) ذكر أبو نعيم في الصحابة أنه السيد، وقيل: هو العاقب، وقيل: شرحبيل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلاعناه) بفتح العين، وتشديد النون على صيغة المتكلم مع الغير، وفي رواية الكشميهني "فلاعننا" بفتح النونين على أن لاعن فعل ماض فيه الضمير يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونا مفعوله.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من بعدنا) وفي رواية ابن مسعود: "ولا عقبنا من بعدنا أبدا".

                                                                                                                                                                                  قوله: (قالا) أي العاقب والسيد: إنا نعطيك ما سألتنا، وذلك بعد أن انصرفوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ممتنعون عن الإسلام كما ذكرناه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  وجاء السيد والعاقب، وقالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وفي رواية ابن سعد: فغدا عبد المسيح، وهو العاقب، ورجلان من ذوي رأيهم فقالوا: قد بدا لنا أن لا نباهلك فاحكم علينا بما أحببت ونصالحك، فصالحهم على ألفي حلة في رجب، وألف في صفر أو قيمة ذلك من الأواق، وعلى عارية ثلاثين [ ص: 28 ] درعا، وثلاثين رمحا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين فرسا، إن كان باليمن كيد، ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، غائبهم وشاهدهم وبيعهم، لا يغير أسقف عن سقيفاه، ولا راهب عن رهبانيته، ولا واقف عن وقفانيته، وأشهد على ذلك شهودا منهم أبو سفيان، والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة، فرجعوا إلى بلادهم فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما. انتهى.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فاستشرف) من الاستشراف، وهو الاطلاع، وأصله أن تضع يدك على حاجبك، وتنظر كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء، والحاصل أنهم ترقبوا له، كل منهم يأمل أن يكون هو المبعوث إليهم.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله تعالى عنه إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم.

                                                                                                                                                                                  قلت: قصة علي غير قصة أبي عبيدة، فإن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع، وعلي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية، وأخذ ممن أسلم منهم ما استحق عليه من الصدقة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية